الفخ الذي قاد إلى مقتل حسن نصر الله:
خطأ فادح قتل حسن نصر الله .. كيف نجح الموساد في اختراق حزب الله؟ (2-2)

جنازة تحولت إلى مشهد مقاومة .. بعد عشرة أيام من هجمات أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي، اتخذ حسن نصر الله قرارًا بجمع رجاله في نهاية النهار داخل موقع سري في الضاحية الجنوبية لبيروت. كان ذلك في السابع من سبتمبر، وفي تمام الساعة الرابعة عصرًا، أقيمت جنازة ثلاثة من كبار عناصر الحزب في مكان قريب من اجتماع نصر الله الأخير، حمل النعش الأول اسم حسين أحمد عوال، ونعش آخر للشهيد ميثم، فيما كان الثالث لمحمد حسين السرور، قائد وحدة الطائرات المسيّرة في حزب الله، الذي وُصف فقدانه بالخسارة الكبيرة للحركة.
المئات من أنصار الحزب حضروا الجنازة، وألقى أحد مسؤولي الحزب كلمة تأبينية أمام ابن أحد الشهداء، واصفًا الراحلين بأنهم حماة الخدود وشهود على طريق القدس، لم تكن الجنازة حدثًا اعتياديًا، بل تحولت إلى تظاهرة حماسية، حيث تعالت الهتافات المؤيدة لنصر الله والمقاومة، في مشهد جمع بين الحزن والتعبئة السياسية والعسكرية في آن واحد. وفي النهاية، دُفن القادة الثلاثة بجوار فؤاد شكر، المستشار العسكري لنصر الله الذي قُتل في الرابع والعشرين من يوليو.
اللحظة الحاسمة: انطلاق المقاتلات
في الساعة الخامسة مساءً تقريبًا، وصل نصر الله إلى مقره السري. وفي نفس التوقيت، على بعد 300 كيلومتر جنوبًا، أقلعت ثمان مقاتلات إسرائيلية من طراز "إف 15" من قاعدة "حسريم"، كانت هذه الطائرات مزوّدة بقنابل أمريكية من نوع "BLU-109"، وهي قنابل مصممة لاختراق المخابئ تحت الأرض، وقادرة على تدمير حتى أكثر المواقع تحصينًا. هذه التكنولوجيا التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي طُورت أساسًا لمواجهة منشآت صدام حسين تحت الأرض.
المقاتلات اتجهت مباشرة إلى جنوب بيروت، حيث المقر المحصّن لحزب الله على عمق 20 مترًا تحت الأرض، والمجهز بممرات للهروب. المبنى السكني المكوّن من سبعة طوابق فوق المخبأ لم يكن سوى غطاء طبيعي لشبكة من الأنفاق والأقبية الخرسانية، لكن المخابرات الإسرائيلية كانت قد حددت الموقع بدقة، وعند الساعة السادسة ودقيقتين مساءً، أسقطت المقاتلات 83 طنًا من القنابل على المقر.
انهيار المخبأ ومقتل العدو اللدود
الهجوم كان مدمّرًا، حيث دُمّرت أربعة مبانٍ على الأقل، تاركة فوهة عميقة في المكان. وأعلنت إسرائيل أن حسن نصر الله، الذي خاض حربًا مفتوحة ضدها لثلاثة عقود، قد قُتل، اعتبرت تل أبيب أن "يديه ملطختان بدماء الآلاف"، وأنه من تلك اللحظة لن يكون قادرًا على "ترهيب العالم"؛ في إسرائيل، استُقبل الخبر بالتصفيق والابتهاج، بينما عمّت الصدمة لبنان، حيث رفض مؤيدوه تصديق نبأ مقتله، مرددين: "والله ما مات، والله ما مات".
نتنياهو يعلن من نيويورك
في ذلك اليوم، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في نيويورك لإلقاء خطاب أمام الأمم المتحدة. تحدث قائلًا إنه جاء ليعرض الحقيقة باسم شعبه وبلده؛ بعد ساعة واحدة فقط من خطابه، أعطى الضوء الأخضر للعملية من غرفته في الفندق، بالتنسيق مع وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش. وهكذا تحولت لحظة دبلوماسية إلى قرار عسكري حاسم.
كيف تمكنت إسرائيل من كشف المخبأ؟
السؤال الأبرز كان: كيف نجحت إسرائيل في تحديد موقع قائد حزب الله الذي نادرًا ما يظهر علنًا؟ نصر الله عاش سنوات طويلة في حالة من التخفي، متحدثًا عبر شاشات الفيديو بدلًا من الحضور الشخصي في المناسبات الكبرى؛ تحركاته كانت سرية للغاية، بمستوى يشبه سرية الدول، لكن إسرائيل تمكنت من اختراق هذا الجدار بفضل شبكة عملاء داخل الحزب، إضافة إلى وسائل تكنولوجية متطورة.
كريستوف جوار، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الفرنسية، كشف أن إسرائيل اعتمدت على الطائرات التي تخترق حاجز الصوت، حيث ساعدت الموجات الصادرة عنها على تحديد موقع المخبأ من خلال تقنية "التثليث الصوتي"، تسجيلات لمؤتمر صحفي عقده نصر الله داخل المخبأ التقطت الموجات نفسها، مما سمح بتحديد الموقع بدقة مذهلة. الخطأ القاتل لنصر الله كان تنظيمه لذلك المؤتمر من داخل مخبئه.
التقنية والاستخبارات معًا
المرحلة النهائية للهجوم اعتمدت على الدمج بين التكنولوجيا والاستخبارات البشرية. بعد تحديد الموقع، استُخدم مؤشر ليزر لتوجيه القنابل، قد يكون من مراقب على الأرض أو طائرة مسيّرة، أما عملية إسقاط القنابل فكانت متسلسلة، حيث لم تُسقط دفعة واحدة، بل بفواصل ثوانٍ لخلق تأثير تراكمي يخترق الخرسانة ويصل إلى العمق المطلوب؛ بهذه الطريقة، نجحت إسرائيل في تدمير أكثر المواقع تحصينًا في بيروت الجنوبية.
ماذا بعد نصر الله؟
السؤال الذي يطرحه الجميع: هل سيضعف حزب الله بعد رحيل قائده الأبرز؟ إسرائيل تراهن على ذلك، لكن الواقع قد يكون أعقد؛ استطلاعات الرأي في يونيو الماضي أظهرت أن واحدًا من كل ثلاثة لبنانيين يثق بالحزب، خاصة بين الطائفة الشيعية، ورغم الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها لبنان منذ عام 2019، حيث فقدت الليرة 98% من قيمتها وانهار النظام المصرفي وارتفعت معدلات الفقر، ظل حزب الله قادرًا على الاحتفاظ بقاعدته الشعبية.
دولة داخل الدولة
نجح حزب الله في بناء ما يشبه "حكومة موازية"، إذ أسس شبكة من رياض الأطفال والمدارس والعيادات، وأحيانًا تولى مهام الدولة مثل جمع النفايات وترميم الطرق، لديه حركة كشفية تضم نحو 40 ألف عضو، تستخدم في التعبئة العقائدية، حيث يظهر الأطفال في مقاطع دعائية يرفعون الرايات ويهتفون ضد إسرائيل، كما تضمن مؤسسة "الشهداء" رعاية كاملة لعائلات القتلى، من دفع الإيجارات والتأمين الصحي إلى تعليم الأبناء، ما يخلق عقدًا اجتماعيًا بين الحزب وجمهوره.
من المقاومة إلى القوة الإقليمية
جذور الحزب تعود إلى أوائل الثمانينيات، حين كان لبنان غارقًا في حرب أهلية. بعد غزو إسرائيل للبنان عام 1982، ظهر حزب الله كمجموعة مقاتلين شرسين مدعومين من إيران، رجال دين شيعة في البقاع دعوا إلى تأسيس ميليشيا جديدة لطرد الاحتلال، وتولت إيران تدريبهم وتسليحهم، سرعان ما دخل الحزب مرحلة مفصلية عبر سلسلة من العمليات الكبرى، مثل تفجير مقر القوات الأمريكية والفرنسية في بيروت عام 1983، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص.
الاغتيالات وولادة نصر الله كقائد
إسرائيل حاولت القضاء على الحزب باغتيال أمينه العام عباس الموسوي في فبراير 1992، عبر استهداف سيارته بصاروخ أدى إلى مقتله مع عائلته، حينها اعتقدت تل أبيب أن التنظيم سيتفكك، لكن العكس هو ما حدث، فخلفه حسن نصر الله، القائد الشاب الذي قاد الحزب نحو مرحلة جديدة من التوسع والاشتباك المباشر مع إسرائيل، وصولًا إلى حرب 2006 وما بعدها.
إرث دموي ومستقبل غامض
اليوم، بعد مقتله، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيؤدي غياب نصر الله إلى تراجع نفوذ الحزب، أم أن المؤسسة التي بناها قادرة على الاستمرار بدونه؟ إسرائيل ترى أن اغتياله "قطع رأس الأفعى"، لكن تاريخ الحزب يشير إلى أنه اعتاد تجاوز خسائر قياداته؛ أما لبنان، الغارق في أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة، فيواجه مستقبلًا أكثر غموضًا، مع احتمال اهتزاز التوازن الداخلي الذي شكّله وجود نصر الله طوال عقود.
حسن نصر الله، حزب الله، الضاحية الجنوبية، عملية اغتيال، قصف جوي، قنابل اختراق المخابئ، الهجمات الإسرائيلية، استخبارات إسرائيلية، الصراع في لبنان، هجوم الضاحية، مقتل قادة حزب الله، توازن القوى الإقليمي، الهجمات الجوية في بيروت، المقاومة اللبنانية، قصف بيروت، المخابرات العسكرية، الصراع الإسرائيلي اللبناني، مستقبل حزب الله، الهجمات على الضاحية الجنوبية، الغارات الجوية