بالفيديو .. فتيات التلال ورقة إسرائيل لنشر الاستيطان الناعم في الضفة الغربية

في الضفة الغربية المحتلة، حيث تمتزج التلال الهادئة بصرخات الأرض المسلوبة، يتكشف شكل جديد من الاستيطان الإسرائيلي يعرف بـ"الاستيطان الناعم"، هذا النوع من الاستيطان يبدو أقل صخبًا من المستوطنات التقليدية، إذ يخلو من الجدران العالية والأسلاك الشائكة المنتشرة في المشهد الاستيطاني الكلاسيكي، لكنه في العمق لا يقل خطورة على الأرض الفلسطينية ومصيرها.
البؤر التي تنتشر على قمم الجبال وتلال الضفة، خصوصًا شمال شرق رام الله، تحرم الفلسطينيين من آلاف الدونمات وتتحول تدريجيًا إلى نواة مستوطنات دائمة، مدعومة من الحكومة اليمينية والجيش الإسرائيلي، وتعمل على خنق القرى الفلسطينية ضمن استراتيجية طويلة المدى.
فتيات يقدمن الاستيطان بوجه مختلف
اللافت في هذه الظاهرة أن الاستيطان الناعم لا يقوده هذه المرة رجال مسلحون أو مجموعات استيطانية تقليدية فحسب، بل تقف خلفه مجموعات من الفتيات القاصرات اللاتي تركن التعليم والحياة المدنية، وقررن العيش في خيام ومساكن بدائية فوق هذه التلال؛ هؤلاء الفتيات، اللواتي يصعب على وسائل الإعلام العربية الوصول إليهن، قدمن نموذجًا غير مألوف للاستيطان؛ بلا دوريات عسكرية ظاهرة، بلا تحصينات ضخمة، لكنهن يحملن في طياتهن مشروعًا استيطانيًا بالغ التأثير والخطورة.
إحدى الفتيات تقول في تصريح موثق: "أنا جندية طُلب مني أن أكون هنا، أهلي لم يوافقوا في البداية على هذه الحياة، لكنهم أدركوا أننا لسنا مجرد فتيات ذهبن إلى تلة، نحن هنا نخوض حربًا على الأرض"، هذه الكلمات تكشف عمق العقيدة التي تتبناها تلك المجموعات، حيث يعتبرن وجودهن على هذه التلال تضحية شخصية في سبيل ما يسمونه "الأرض الموعودة".
أهداف الاستيطان الناعم واستراتيجيته الخفية
الاستيطان الناعم يعتمد على الرعي والتنقل والعزلة عن المجتمع الفلسطيني، لكنه في جوهره يسرق الأرض الفلسطينية ويمنع أصحابها الأصليين من الوصول إليها، كثير من هذه الفتيات يتلقين تدريبات عسكرية ضمن صفوف جيش الاحتلال، وتم تزويدهن بأسلحة طويلة في مراسم علنية، ما يعكس الغطاء الرسمي لهذا المشروع. مراقبون يرون أن الدفع بفتيات قاصرات إلى واجهة المشهد ليس مجرد صدفة، بل استراتيجية مدروسة تهدف إلى تقليل الضغط الدولي، إذ يصعب على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات صارمة ضد فتيات صغيرات يقدمن أنفسهن في صورة المدافعات عن أرضهن.
دعم حكومي وتحركات ميدانية منظمة
التحقيقات الميدانية التي تمكنت وسائل إعلامية من إنجازها كشفت عن بؤرتين رئيسيتين تحملان اسم "ماعز استر" و"أور أهويفيا"، تمثلان ما يعرف حاليًا بـ"تلة الفتيات"، في مقابل أكثر من 20 بؤرة أخرى يجري التخطيط لربطها بمستوطنة "عوفرا"؛ هذا المشروع يحظى بدعم مباشر من الحكومة الإسرائيلية، حيث ظهر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أيام في المنطقة للاحتفال بما وصفه "إنجازات استيطانية"، بينما كانت الجرافات الإسرائيلية تحفر الطرق لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية وتحويل هذه البؤر الصغيرة إلى كتل استيطانية مترابطة.
شعارات توسعية وخطط تتجاوز فلسطين
الخطير في خطاب هذه المجموعات أنه لا يتوقف عند حدود فلسطين، بل يرفع شعارات تدعو للتوسع نحو الأردن وسيناء ولبنان وسوريا والعراق والسعودية وجنوب تركيا، في إطار ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى". تقول إحدى الفتيات: "سنتقدم للسيطرة على كل الأرض التي وعدنا بها الرب"، في إشارة إلى عقيدة توسعية تعتبر أن كل هذه المناطق تدخل ضمن حق تاريخي مزعوم، هذه الشعارات ليست مجرد كلام عابر، بل يتم توظيفها لتحفيز المستوطنين والمستوطنات على مزيد من التوسع وإحكام السيطرة على الضفة الغربية تمهيدًا لمشاريع أكبر.
تأثيرات إنسانية ونفسية على الفلسطينيين
الوجود الاستيطاني الناعم يفرض على القرى الفلسطينية المحيطة به حصارًا غير معلن، إذ تحاصر هذه البؤر الأراضي الزراعية وتعيق وصول المزارعين إليها، فضلاً عن اعتداءات جسدية ونفسية يتعرض لها السكان على يد هذه المجموعات، كثير من الفلسطينيين وثقوا حالات سرقة لممتلكاتهم البسيطة من خيام ومنازل بدائية هجرها أهلها تحت وطأة العنف أو التهديد. الأخطر أن هذا الاستيطان لا يقتصر على مصادرة الأرض فحسب، بل يسعى لإعادة تشكيل الوعي الجمعي للفلسطينيين عبر فرض حالة من الخوف والتهجير القسري البطيء.
الاستيطان الناعم: حرب صامتة بوسائل ناعمة
من خلال هذا الشكل الجديد، تحاول إسرائيل إعادة إنتاج سياستها الاستيطانية بأسلوب أقل استفزازًا للرأي العام العالمي، لكنه في النهاية يحقق نفس الأهداف التي حققتها المستوطنات المسلحة التقليدية، الحرب في نظر هؤلاء الفتيات واحدة سواء كانت في غزة أو في الضفة الغربية، والشعارات التي يرددها قادة اليمين الإسرائيلي توحّد بين الجبهتين: "التضحية من أجل الأرض الموعودة" و"إحاطة القرى الفلسطينية بسياج من المستوطنات والخوف".
مستقبل ضبابي وتوسع مستمر
مع استمرار الدعم الحكومي لهذه البؤر وتحويلها إلى مستوطنات قائمة بذاتها، يبدو أن الاستيطان الناعم سيتحول إلى مرحلة أكثر تطورًا في السنوات المقبلة. تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وزياراتهم المتكررة، ومرافقة الجيش لهذه المجموعات، كلها مؤشرات على أن المشروع ليس عشوائيًا بل جزء من خطة شاملة تستهدف الضفة الغربية بشكل منهجي، في المقابل، تبقى القرى الفلسطينية محاصرة، وأراضيها مهددة بالمصادرة، وأهلها في مواجهة يومية مع واقع يتغير على حساب وجودهم.
هل من مواجهة لهذا الخطر؟
المجتمع الدولي يراقب بصمت، والمنظمات الحقوقية تحذر، لكن الاستيطان الناعم يتقدم بخطوات ثابتة. السؤال المطروح اليوم: كيف يمكن مواجهة هذه الظاهرة التي تتخفى خلف صورة الفتيات القاصرات والشعارات الدينية؟ هل يمكن الضغط على إسرائيل لوقف هذا التمدد، أم أن الضفة الغربية تتجه نحو خريطة استيطانية جديدة تفرض أمرًا واقعًا يصعب تغييره مستقبلاً؟
فتيات التلال، الاستيطان الناعم، الضفة الغربية، مستوطنات إسرائيلية، بؤر استيطانية، عوفرا، نتنياهو، تهجير الفلسطينيين، الاحتلال الإسرائيلي، الحرب على الضفة، حرب غزة، إسرائيل الكبرى، المستوطنون، رام الله، توسع الاستيطان، الاستيطان في فلسطين، الاستيطان الإسرائيلي، الاستيطان في الضفة، سياسة الاستيطان، البؤر الاستيطانية،