الإمام محمد المهدي العباسي.. من هو أول من جمع بين الإفتاء ومشيخة الأزهر؟
الشيخ محمد المهدى العباسى، عين مفتيا فى الديار واستمر فى الإفتاء أربعين عاما، هو أول من جمع بين منصبى الإفتاء ومشيخة الأزهر، تحدى الحكام فى نصرة الحق وتطبيق الشرع، وكان أول حنفى تولى مشيخة الأزهر الذى كان مقصورا على الشافعية، رحل فى مثل هذا اليوم 8 ديسمبر عام 1897 م.
ولد الشيخ محمد المهدي العباسي عام 1243 هـ في الاسكندرية، حفظ القرآن الكريم وهو طفل صغير، اتخذ طريق العلم مثل أبيه، وتعلم أصول الفقه والنحو، وتردد على حلقات العلم، واتبع الشيوخ إبراهيم السقا الشافعي وخليل الرشيد الحنفي والشيخ البياتي وغيرهم.
عندما وصل صيت محمد المهدى العباسى إلى إبراهيم باشا ابن الوالى محمد على وكان قد تولى حكم مصر، أصدر أمره بأن يتولى منصب الإفتاء 1847 م خلفا للشيخ أحمد التميمي المفتي السابق، وكان عمره واحدا وعشرين عاما ومازال طالبا للعلم.
ولمساعدة المفتى الشاب محمد المهدى اتفق الشيخ مصطفى العمروسى شيخ الأزهر مع كبار العلماء على تعيين أمين للفتوى يقوم بشئونها حتى يتأهل المفتى الشاب، ويباشرها بنفسه.
أهل نفسه للإفتاء
ونظرا لذكاء المفتى محمد المهدى العباسى وفطنته عكف على قراءة كتب الفقه والحديث والدرس حتى يكون أهلا للفتوى وظل كذلك حتى أصبح جديرا بمنصب الافتاء ومؤهلا للتدريس بالأزهر مع كبار العلماء.
جمع شيخ الأزهر محمد المهدى العباسى إلى جانب الذكاء والعلم وسعة الاطلاع ورعا وزهدا وصلاحا، فلم يخش في الحق لومة لائم، وأصبح شجاعا فى الحق، فحين أراد الخديو عباس الأول والي مصر أن يستولى على ثروة أسرة محمد علي بحجة أنه جاء إلى مصر لا يملك دينارا أو درهما، وأن ما في أيدي أسرته إنما هو مال الأمة يجب رده إليها، وقف له المفتي وامتنع عن إصدار فتوى تبيح للوالي الإقدام على مثل هذا العمل، فحاول إكراهه وتهديده، فازداد امتناع الشيخ ولم يخضع لتهديداته.
اختياره شيخا للازهر
ونظرا لتمكن الشيخ محمد المهدى العباسى من العلم والفتوى عين فى عهد الخديو اسماعيل شيخا للازهر عام 1870 خلفا للشيخ مصطفى العروسي، مع احتفاظه بمنصب الإفتاء، فكان أول من جمع بين المنصبين وأول حنفي يتولى مشيخة الأزهر، وكان عادة يتولى المشيخة العلماء من أصحاب المذهب الشافعي، وهو يعد أصغر من تولى المشيخة في تاريخها الطويل، فكان نموذجا للعمل والاجتهاد فقام بتنظيم شئون الازهر الادارية والمالية وأعاد لموظفى الازهر رواتبهم الشهرية والسنوية وعمل على انفاق أموال الاوقاف على مستحقيها.
كما استصدر الشيخ محمد المهدى العباسى قرارا من الخديوي بوضع قانون للتدريس بالأزهر، فاستجاب له، وكان هذا أول خطوة في إصلاح نظم الأزهر وتطوير الدراسة به، فعمل على اختيار القائمين على التدريس بالازهر وفق شروط موضوعية، فكان اول من وضع نظام الامتحانات لطلبة الازهر فى احد عشرة علما هى التفسير، والحديث، والتوحيد، والفقه، وأصوله، والنحو، والصرف، والمعاني، والبيان، والبديع، والمنطق، ويمتحن الطالب امام ستة من كبار العلماءــ وكان المعتاد أن يقوم بالتدريس بالأزهر من يجد في نفسه قدرة على التدريس، فإذا أقره شيوخه على هذا بعد حضور دروسه استمر في عمله، وكانت هذه الطريقة ينفذ من خلالها من ليس أهلا للتدريس بفعل المجاملة والوساطة.
رفض الرضوخ للأوامر
الخديو إسماعيل حاول استغلال الإمام محمد المهدى العباسى باستصدار فتوى تتيح للخديو بأن يلحق الأوقاف الأهلية بالأوقاف العمومية ليسهل الاستيلاء عليها، حيث كان ناظرا عليها، ورغب في أن يعوض أربابها بما يكفل لهم معاشهم، وسأل المفتين ذلك فأفتاه بعض العلماء بجواز ذلك، لكن أعلن الإمام الأكبر رفضه لما يطلبه الخديوي، ولم يخضع لتهديداته وقال: إنه لو جرد من كل ما يملك وما ورثه عن آبائه على أن يعلن أنه حكم بغير ما أنزل الله، فلن يخضع أبدا، ولم يعد أمام الخديوي سوى أن يعقد جلسة للعلماء لبحث شرعية ما ينوي الإقدام عليه، وانتهى الرأي بالحاضرين من العلماء إلى صواب رأى الإمام المهدى، فارتفعت مكانته.
طلب إعفائه من مشيخة الازهر حرصا على كرامته
وعندما وقع الاحتلال البريطانى لمصر لم يمنع ذلك الشيخ من أن يعقد جلسات في بيته يؤمها بعض الكبراء والعلماء، يتكلمون في السياسة ويظهرون سخطهم على الاحتلال البريطاني وعلى ضعف الحكومة المصرية، فشكاه نوبار باشا إلى الخديو بأنه يعارض أحكام القضاء ويتدخل فى اختيار القضاة الذين يراعى فيهم العلم والنزاهة، ووجه الخديو توفيق إليه اللوم فرد عليه الشيخ بإعفائه من منصبه لكبر سنه قبل أن ينحيه الخديو، فاغتاظ منه الخديو فأمر الخديوي بتعيين الإمام الإنبابي شيخا للأزهر خلفا للإمام المهدي عام 1886 م، إلا أنه أصيب فى سنوات عمره الأخيرة بالشلل وهو يتوضأ لأداء الصلاة، وظل مريضا نحو أربع سنوات حتى لقي الله في مثل هذا اليوم 8 من ديسمبر 1897 م عن 72 عاما وخرج فى جنازته مايزيد على أربعين ألفا.
و













