3 محاولات فشلت والرابعة كانت القاضية..
بالفيديو.. كيف وصل الموساد إلى أبو عبيدة؟ ومن سهّل الطريق إليه؟ تسريب يكشف أخطر عملية اغتيال في غزة
بعد ثلاثة أشهر على استشهاد أبو عبيدة، يعود ملف اغتياله إلى الواجهة من جديد عقب تسريب يوحي بوجود خيانة داخل غزة أدت إلى تصفيته. يظهر هذا التسريب كما لو أنه فتح بابا كان مغلقا بإحكام، كاشفا تفاصيل كاملة عن واحدة من أكثر العمليات تعقيدا في تاريخ الاغتيالات في الشرق الأوسط. وبرأي كثيرين فإن ما حدث اليوم هو ما كانت تخشاه إسرائيل منذ سنوات، فالتسريب لم يكن مجرد وثيقة عابرة، بل قلب جهاز كامل وضع فجأة على الطاولة. الملف الذي خرج إلى العلن كان مخفيا داخل خزائن فولاذية في الطوابق السفلية لمقر الموساد تحت الأرض، وعليه عبارة تصفه بأنه أعمق عملية اغتيال في الشرق الأوسط.
وثائق تكشف الإخفاقات الأولى ومحاولات الاغتيال المتكررة
تكشف الوثائق أن عملية اغتيال أبو عبيدة لم تكن حدثا عاديا، فقبل التنفيذ النهائي كانت هناك ثلاث محاولات فاشلة، وفشلها وحده يشير إلى خلل بنيوي داخل الجهاز المنفذ. فالرجل كان قبل اغتياله شخصية مثيرة للجدل وبعد استشهاده تضخمت الروايات وتضاربت البيانات، والسبب كما يبدو أن بعض التفاصيل كان محظورا تأكيده أو نفيه. التسريبات الجديدة توضح أن إخفاقات متتالية سبقت العملية الناجحة، وهذا بحد ذاته يكشف صعوبة استهداف شخص يمتلك شبكة حماية بشرية معقدة.
المحاولة الأولى
المحاولة الأولى كانت في مايو 2021 أثناء معركة سيف القدس. اعتمدت على معلومة غير مكتملة جاءت من جهاز خارجي وليس من داخل غزة. الخطة كانت بسيطة قناص من نقطة مرتفعة وهدف مكشوف. لكن أبو عبيدة تحرك في اللحظة التي ضغط فيها القناص على الزناد، وانتهت العملية في تقرير الموساد بجملة عدم تطابق التوقيت.
المحاولة الثانية
المحاولة الثانية، وفق الوثائق، كانت أخطر المحاولات الفاشلة. وقعت في أواخر 2023 خلال عملية الطوفان. كان أبو عبيدة يقيم في مربع سكني محصن قرب منطقة التفاح شرق غزة، وهو مكان شديد الازدحام ومتداخل الأزقة. رغم ذلك تقرر استهداف المبنى مباشرة من الجو. بعد ثلاثة أيام من المراقبة ظن المخططون أن اللحظة المناسبة قد حانت، فأطلقت الضربة وأصابت المبنى فعلا. لكنه لم يكن في الغرفة المستهدفة تحديدا، رغم وجوده داخل المبنى. أصيب في يده اليسرى إصابة واضحة لاحظها الجميع لاحقا في ظهوره الإعلامي حين حاول إبقاء يده ثابتة وتجنب تحريكها. فشلت العملية لأن الهدف لم يكن إصابته بل إنهاؤه تماما. المسافة بين نقطة الاستهداف ومكان تواجده كانت أقل من عشرة أمتار لكنها صنعت الفارق. داخليا وصفت العملية بأنها نجاح عملياتي وفشل استخباراتي، وظهرت شكوك حول مصدر المعلومة الأساسية وما إذا كان قد أعطى بيانات ناقصة.
المحاولة الثالثة
المحاولة الثالثة كانت الأخطر لأنها اعتمدت على اختراق بشري قريب جدا من دائرة القرار داخل غزة. ورغم ذلك توقفت فجأة دون تفسير وتم تسجيلها رسميا كتعذر تأكيد هوية الهدف. لكن داخل الوثائق كتب أحد الضباط عبارة بخط اليد تقول النجاح مرتبط بتعاون داخلي تمت الموافقة عليه رغم الاعتراض. وهذا المصطلح يشير بشكل صريح إلى وجود خيانة داخلية. وتؤكد الوثائق أن تحركاته كانت مراقبة بدرجة عالية لا يمكن الوصول إليها بالطرق التقليدية، وهو ما يعزز فرضية وجود عين قريبة من الهدف.
المحاولة الرابعة والعملية التي أنهت الملف
المحاولة الرابعة كانت مختلفة لأنها جاءت بعد إدراك الموساد أنه لم يعد يملك فرصة خامسة. في صباح أحد أيام أغسطس كانت غزة تبدو هادئة، لكن داخل غرفة العمليات الإسرائيلية الخاصة بملف أبو عبيدة كان التوتر في أعلى مستوياته. التحليل النهائي أظهر أن نافذة الاستهداف الذهبية قد لا تتكرر لأسابيع أو أشهر. كان أبو عبيدة يقيم في عمارة من ستة طوابق في حي الرمال، وهو حي معروف بكثافته السكنية وتشابك مبانيه ويُعد آخر مكان يتوقع فيه استهداف دقيق.
كان برفقة زوجته وطفليه ويبدو أنه كان يستعد لاجتماع داخلي في إحدى الشقق العلوية. الفريق الإسرائيلي اعتمد على مصدر بشري إضافة إلى نمط حركة إلكتروني تم تحليله طويلا. لم يعرفوا الشخص لكنهم عرفوا الإيقاع الزمني لتحركاته، والذي يشير إلى تواجده في نقطة واحدة بين الثامنة والتاسعة وخمس دقائق صباحا. انقسمت المؤسسة بين من يرى أن التنفيذ بوجود عائلة كاملة سيخلق ردود فعل خطيرة، وفريق آخر يرى أن هذه هي الفرصة الأخيرة. وفي النهاية صدر القرار بتنفيذ ضربة واحدة دون تأكيد بصري.
في الساعة الثامنة وثمان وثلاثين دقيقة دخلت طائرة مسيرة الأجواء محملة برأس حربي صغير عالي الدقة مصمم لاختراق جدار أسمنتي دون تدمير المبنى بالكامل. في الثواني التالية ضغط على زر التنفيذ. لم يكن الانفجار كبيرا لكنه كان دقيقا كإصبع يضغط على نقطة في صفحة بيضاء. خلال أربع وعشرين ساعة من تحليل الصور الجوية والاتصالات داخل الفصائل وصل التقرير النهائي إلى المكاتب الإسرائيلية أبو عبيدة قتل، زوجته قتلت، وطفلاه قتلا، ولم يخرج ناج واحد من الشقة، وهو ما اعتبرته المؤسسة علامة نجاح كاملة.
الأصداء الداخلية بعد الاغتيال
بعد اغتياله حدث داخل المؤسسات الإسرائيلية شعور بالارتياح، ليس ابتهاجا بالنصر بل ارتياحا لأن الصوت الذي كان يلاحقهم في كل ظهور إعلامي اختفى. كان يمثل عبئا نفسيا قبل أن يكون تهديدا عسكريا. وبغض النظر عن الموقف منه، تبقى الحقيقة أن شخصية مثل أبو عبيدة لم تكن عابرة، بل كانت رقما صعبا في معادلة استمرت سنوات، ومكانته في وعي الناس لا يمكن إنكارها.
اغتيال أبو عبيدة، تسريبات الموساد، خيانة داخل غزة، عمليات الاغتيال الإسرائيلية، ملف اغتيال أبو عبيدة، محاولات اغتيال فاشلة، عملية الطوفان، سيف القدس، غزة، حي الرمال، اختراق بشري، وثائق مسربة













