كيف تغير البيئات عالية الضغط طريقة تفكيرنا واتخاذنا للقرارات؟
صراحة، الموضوع بدأ معي من موقف غبي. كنت واقف في طابور البنك والموظف سألني سؤال بسيط عن حسابي. فجأة راح عقلي بياض. نسيت رقم هاتفي. رقم هاتفي اللي أعرفه من عشر سنين. الناس ورائي بدأت تتذمر وأنا هناك واقف مثل التمثال. خرجت من البنك وأنا أفكر: ليش دماغي خانني في لحظة ضغط بسيطة كذا؟
قررت أسأل ابن خالتي سامي. الرجال جراح قلب ويتعامل مع ضغط حقيقي كل يوم، مش طابور بنك. قلت له الموقف وضحك عليّ طبعاً. بس بعدين قال شي غيّر نظرتي للموضوع كله. قال إن المخ البشري ما يفرق بين ضغط حقيقي وضغط وهمي. بالنسبة له، كل ضغط هو تهديد يستاهل استنفار كامل. والغريب إن هالشي يحصل في أماكن ما تتوقعها. واحد من ربعي يلعب aviator betting ويقول نفس الكلام بالضبط. يقول في aviator betting الدماغ يدخل وضع ثاني خالص، كل شي يصير واضح وبطيء في نفس الوقت. نفس الإحساس اللي يوصفه الجراحين في غرفة العمليات. عجيب كيف الضغط يوحّد التجربة البشرية بهالشكل.
المخ في حالة الطوارئ شكله ثاني
رحت أدور وأقرأ وسألت دكتورة هدى، وحدة من معارف العيلة تشتغل في أبحاث الأعصاب. قلت لها فهميني الموضوع بدون مصطلحات علمية تصدّع الراس.
شرحت لي الموضوع بطريقة ما نسيتها. قالت تخيل مخك مثل بيت فيه كل الأجهزة شغالة. التلفزيون، المكيف، الغسالة، النور في كل غرفة. هذا وضعك الطبيعي. بس لما يجيك ضغط، المخ يسوي مثل ما يسوون في انقطاع الكهرباء. يطفي كل شي ويشغل بس اللي ضروري للبقاء. المكيف؟ مش مهم. التلفزيون؟ خله. الثلاجة؟ هذي لازم تضل شغالة.
قالت إن الإبداع والتفكير العميق والذاكرة التفصيلية، كلها تعتبر "مكيفات" بالنسبة للمخ في وقت الأزمة. يطفيها عشان يوفر طاقة للأشياء الأساسية.
أرقام خلتني أفهم أكثر
طلبت من دكتورة هدى تعطيني شي ملموس أفهم فيه الفرق:
|
الشي اللي يتغير |
وانت طبيعي ومرتاح |
وانت تحت ضغط شديد |
|
سرعة قرارك |
تاخذ وقتك وتفكر |
تقرر بسرعة بس ممكن تغلط |
|
تركيزك |
موزع على أشياء كثيرة |
على شي واحد بس |
|
ذاكرتك القريبة |
شغالة تمام |
تخونك في أسوأ وقت |
|
قدرتك على الإبداع |
موجودة ونشيطة |
تقريباً مقفلة |
|
فهمك لمشاعر الناس |
لا بأس فيه |
يتراجع بشكل واضح |
|
انتباهك للتفاصيل |
شامل |
تركز على شي وتنسى الباقي |
الدكتورة هدى قالت إن هالتغييرات مش عيب في التصميم. هذا نظام نجاة طورناه على مدى ملايين السنين. المشكلة إن أجدادنا كانوا يستخدمونه للهروب من الأسود. احنا نستخدمه لما المدير يطلب منا ملف بشكل مستعجل.
ليش فلان يتعامل مع الضغط وفلان ينهار؟
هذا السؤال حيرني صراحة. سامي ابن خالتي يدخل عمليات قلب مفتوح وهو أهدأ واحد في الغرفة. أنا أفقد أعصابي لما يتأخر الأكل في المطعم.
الدكتورة هدى عطتني ثلاث نقاط. الأولى التعوّد. سامي صار هادي لأنه شاف مئات المواقف الصعبة. مخه اتعلم إن الضغط مش نهاية العالم. أنا مخي لسه يفتكر إن كل موقف صعب هو نهاية العالم لأني ما تعرضت لضغط حقيقي كثير في حياتي.
الثانية طريقة تفكيرك في الموقف نفسه. إذا شفت الضغط كوحش جاي ياكلك، جسمك يستجيب على هالأساس. إذا شفته كلعبة تبي تفوز فيها، الاستجابة تختلف. نفس الهرمونات، نفس الموقف، نتيجة مختلفة تماماً.
الثالثة النوم والأكل والصحة العامة. جسم متعب يتعامل مع الضغط بشكل أسوأ بكثير من جسم مرتاح.
كيف تخلي الضغط يشتغل لصالحك؟
سألت سامي هالسؤال مباشرة على العشاء الأسبوع الماضي. قال لي السر مش إنك تتجنب الضغط أو تهرب منه. السر الحقيقي إنك تغير علاقتك فيه وتفهم طبيعته.
قال أول شي حط نفسك في مواقف صعبة بالتدريج ومش دفعة وحدة. مش عشان تعذب نفسك، عشان مخك يتعلم بالتجربة إن الضغط شي يعدي ويخلص ومش نهاية الدنيا.
ثاني شي التنفس وهذي نقطة استغربتها بصراحة. قال لي لما تحس الضغط جاي وقلبك يدق بسرعة، وقف ثانية وخذ نفس عميق وبطيء من بطنك. هالحركة البسيطة ترسل رسالة مباشرة للمخ إن الوضع مش خطير مثل ما يتصور. مخك يسمع لجسمك، فإذا جسمك هادي، المخ يهدأ.
ثالث شي التحضير والاستعداد. قال لي بالحرف الواحد إن نص الضغط اللي نحس فيه في حياتنا مصدره الحقيقي إننا ما نعرف وش بيصير. كل ما حضرت أكثر للموقف، كل ما قلت المفاجآت، وكل ما قل الضغط اللي تحس فيه.
رجعت من هالسوالف الطويلة مع سامي والدكتورة هدى وأنا فاهم شي مهم جداً غيّر نظرتي. الضغط مش عدو لازم نحاربه ونهرب منه. الضغط أداة قوية موجودة فينا. المشكلة الوحيدة إن ما حد علمنا نستخدمها بالشكل الصحيح. ذاك اليوم في طابور البنك، مخي كان يحاول يحميني من خطر وهمي ما له وجود. في المرة الجاية لما أحس بنفس الإحساس، بحاول أفهم مخي إن الموظف مش أسد جاي ياكلني. وإن نسيان رقم هاتفي لثواني مش نهاية الكون ومش كارثة تستاهل كل هالاستنفار.

