مشروع الطمي الضائع
هل تنقذ وصية الدكتور صلاح جودة الاقتصاد المصري؟ كنز بمليارات الدولارات في أسوان
مشروع الطمي الضائع
يعود الحديث عن واحد من أكبر المشاريع التنموية التي لم تر النور في تاريخ مصر الحديث وهو مشروع استخراج الطمي من بحيرة السد العالي وإعادة توظيفه في تعمير ملايين الأفدنة جنوب البلاد وهو المشروع الذي حمل تفاصيله الدكتور صلاح جودة الخبير الاقتصادي المصري الراحل وكان يكرره في كل لقاء باعتباره فرصة قومية مكتملة الأركان كانت قادرة على تغيير ملامح الاقتصاد المصري خلال سنوات قليلة بل وخلال شهور كما كان يؤكد دائما
رؤية اقتصادية غير مستغلة
كان الدكتور صلاح جودة يوضح أن الطمي المتراكم في بحيرة ناصر ليس مجرد مادة طبيعية بل ثروة استراتيجية ذات قيمة زراعية هائلة تضاهي أجود الترب في العالم ولهذا جاءت فكرة التعاون مع اليابان في مشروع ضخم يقوم على تنقية البحيرة واستخراج الطمي منها واستخدامه في زراعة مليوني فدان في جنوب مصر خلال عشرة أشهر فقط وكان يؤكد أن الاتفاقية التي جرى إعدادها لم تكن مجرد مبادرة نظرية بل كانت عرضا رسميا متكاملا قدمه الجانب الياباني دون أي طلب مالي من مصر
تفاصيل الاتفاق مع اليابان
كان العرض يقوم على أن يتولى الخبراء اليابانيون جميع عمليات التجريف والنقل والتسوية مجانا مقابل منحهم حق زراعة خمسمائة ألف فدان لمدة خمس عشرة سنة بينما تؤول ملكية المليون ونصف المتبقية إلى مصر بالكامل من اليوم الأول وهو ما كان يعني كما كان يقول الدكتور صلاح جودة أن مصر كانت ستحصل على أرض جاهزة للزراعة بإنتاجية عالية دون أن تتحمل أي تكلفة إنشائية أو تشغيلية
قيمة الطمي كعنصر تنموي
أشار الدكتور صلاح جودة مرارا إلى أن الطمي المستخرج من قاع البحيرة يكفي لخلق حزام زراعي جديد يعيد تشكيل الخريطة الزراعية المصرية ويزيد القدرة الإنتاجية للمحاصيل الاستراتيجية ويقلل حجم الاستيراد من الخارج وهو ما يجعل المشروع اقتصاديا وتنمويا في آن واحد
تشغيل الملايين خلال أشهر
كان الدكتور صلاح جودة يربط المشروع دائما بقضية البطالة مشيرا إلى أن عملية تجهيز الأراضي ونقل الطمي وتسوية المساحات المزمع زراعتها كانت ستوفر ما لا يقل عن مليونين من فرص العمل خلال فترة التنفيذ التي تمتد لعشرة أشهر فقط وكان يعتبر أن العمالة التي تعمل هي عمالة تنتج وأن الإنتاج المحلي هو الطريق الأول لتقليل الضغط على العملة الصعبة وخفض معدلات الاستيراد
أثر المشروع على سوق العمل
كان يرى أن كل فدان قادر على تشغيل خمسة أفراد على الأقل لكنه كان يتعامل بحسابات أكثر واقعية ويقول إن تشغيل شخصين فقط لكل فدان يكفي لإثبات الأثر الهائل للمشروع وذلك لأن المليون ونصف فدان التي ستؤول لمصر كانت ستوفر ثلاثة ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في الزراعة والنقل والخدمات المرتبطة بالمشروع
نتائج اقتصادية كانت ستغير الواقع
كان الدكتور صلاح جودة يتحدث عن النتائج المتوقعة بروح العملية والوضوح فزيادة الرقعة الزراعية بمساحة ضخمة قابلة للزراعة الفورية كانت ستجعل البلاد تنتج محاصيل استراتيجية كالقمح والذرة والبقوليات وتقلل الاعتماد على الأسواق الخارجية كما كان المشروع سيخلق تجمعات عمرانية جديدة في مناطق غير مأهولة ويعزز إعادة توزيع السكان ويقوي منظومة الأمن الغذائي
تأثير مباشر على فاتورة الاستيراد
كان يكرر أن مصر تنفق مليارات الدولارات سنويا على استيراد محاصيل يمكن زراعتها داخل البلاد وأن إنتاج مليوني فدان سيقلل هذه الفاتورة بصورة ملحوظة ويخفف الضغط على الميزان التجاري ويعيد التوازن إلى منظومة الغذاء والطاقة الإنتاجية
لماذا لم ينفذ المشروع
كان أكثر ما يزعج الدكتور صلاح جودة هو أن المشروع كان جاهزا للتنفيذ وأن الشريك الياباني كان مستعدا للبدء خلال أسابيع لكنه ظل حبيس الأدراج كما كان يصفه لأن الجهات المعنية لم تتخذ قرار التنفيذ وقال مرارا نحن لا نفتقد الحلول نحن نفتقد قرار التنفيذ إذ كان يرى أن المشروعات التنموية الكبرى تحتاج إلى إرادة سياسية وإدارية حقيقية وأن الفرص لا تنتظر والمتغيرات الاقتصادية لا تمنح الدول رفاهية التردد
حديثه عن ضياع الفرصة
كان يقول إن الطمي الموجود في قاع البحيرة هو ثروة قومية تتحول بمرور الوقت إلى مشكلة بيئية لأن تراكمها يؤثر على كفاءة السد وإنتاج الكهرباء وأن استغلالها زراعيا كان سيقدم لمصر حلا مزدوجا يجمع بين التنمية وحماية الموارد الطبيعية ولهذا كان يعتبر أن ضياع هذه الاتفاقية يمثل نموذجا مؤلما على الفرص التي لو أحسن استغلالها لكانت البلاد في وضع أفضل بكثير
إرث اقتصادي يستحق إعادة النظر
بعد سنوات من رحيل الدكتور صلاح جودة ما يزال المشروع الذي تحدث عنه يشغل اهتمام الاقتصاديين والمهتمين بالزراعة لأن الفكرة في جوهرها لم تفقد قيمتها بل أصبحت أكثر أهمية في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي تواجه البلاد من تضخم وارتفاع تكلفة الاستيراد وتراجع القدرة الشرائية وفي ظل هذه الظروف يعود الحديث عن الطمي كحل عملي يمكن أن يفتح الباب أمام طفرة زراعية حقيقية لو أعيد إحياء المشروع أو تطوير نسخة جديدة منه بالتكنولوجيا الحديثة
هل يمكن إحياء المبادرة اليوم
السؤال الذي كان يطرحه الدكتور صلاح جودة يظل مطروحا إلى اليوم لماذا لا تعود مصر إلى فكرة استغلال الطمي وتنفيذ مشروع زراعي قادر على تشغيل الملايين وزيادة الإنتاج وتحويل مساحات جديدة إلى مناطق زراعية مستقرة وإذا كانت اليابان قد قدمت عرضا بالمجان سابقا فإن التكنولوجيا الحالية تجعل المشروع ممكنا بشروط أقل تعقيدا وربما بجهود محلية دون الحاجة إلى شريك خارجي
خاتمة
يبقى مشروع الطمي واحدا من أكثر المشاريع التي تحدث عنها الدكتور صلاح جودة بإصرار لأنه كان يرى فيه فرصة للبناء والتشغيل والإنتاج وإعادة تشكيل الاقتصاد على أسس أكثر صلابة وكان يردد دائما أن الحلول ليست غائبة بل تنتظر من يتبناها ويضعها موضع التنفيذ وأن التنمية الحقيقية تبدأ بقرار واضح وإرادة لا تخشى التغيير.
تنقية بحيرة السد العالي، اتفاقية مصر واليابان، مشروع استخراج الطمي، زراعة مليوني فدان، الدكتور صلاح جودة، الخبير الاقتصادي المصري، فرص العمل في مصر، الاكتفاء الذاتي الزراعي، تطوير الزراعة المصرية، استصلاح الأراضي، الطمي في بحيرة ناصر، توظيف الشباب المصري، تقليل الواردات الغذائية، الأمن الغذائي في مصر، الاستثمار الزراعي، التنمية الاقتصادية في مصر، المشاريع القومية، الزراعة الحديثة في مصر، مبادرات دعم الفلاح، حلول الأزمة الاقتصادية



