كيف رفعه الله إلى السماء وجعل ذكره خالدًا
ماذا فعل سيدنا إدريس في رحلته إلى أرض الشيطان وكيف رفعه الله إلى السماء؟ فيديو الشيخ محمد بن علي الشنقيطي
في أحد دروسه التي تجمع بين العمق القرآني والسرد الروحي المؤثر، يروي الشيخ محمد بن علي الشنقيطي قصة النبي إدريس عليه السلام، أحد الأنبياء الذين ذكرهم الله في كتابه الكريم بإجلالٍ خاص، قائلاً: «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا، وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»؛ إنها قصة رجلٍ جمع بين العلم والعمل، وبين الصدق والنبوة، فاستحق أن يكون من الذين رفعهم الله بعملهم لا بنسبهم، وبإخلاصهم لا بمظاهرهم.
إدريس عليه السلام في ميزان النبوة
ولد إدريس عليه السلام في زمنٍ كانت البشرية لا تزال تتعلّم أسس الحياة، وتبدأ أولى خطواتها في العمران والعمل والصناعة، وقد ورث عن آبائه الصالحين الإيمان والتوحيد منذ عهد آدم عليه السلام. تشير الروايات إلى أنه من ذرية شيث بن آدم، وكان من أوائل الأنبياء الذين أرسلهم الله بعد آدم، ليواصل مسيرة التوحيد في الأرض ويذكّر الناس بعبادة الخالق وحده.
يصفه القرآن بأنه كان "صدّيقًا نبيًا"، وهي مرتبة سامية تجمع بين الإيمان الكامل والصدق المطلق في القول والعمل. ومن خلال هذا الوصف نفهم أن إدريس لم يكن مجرد داعية أو معلّم، بل كان قدوة في السلوك والزهد والطاعة، وكان نموذجًا لإنسانٍ يوازن بين الدنيا والآخرة، يعمل فيها بإخلاص، ويطلب من ورائها رضى الله وحده.
نبي العلم والعمل والإتقان
يروي الشيخ الشنقيطي أن إدريس عليه السلام كان من أوائل من خطّ بالقلم، ومن أوائل من وضع قواعد العلم والكتابة، حتى قيل إنه أول من علّم الناس الكتابة والخياطة والحساب والفلك، كان يرى في العلم وسيلة للارتقاء الإنساني لا للغرور أو الجدل، لذلك علّم قومه أن العبادة لا تنفصل عن العمل، وأن الإصلاح لا يتحقق إلا بالعلم النافع.
وفي حديثه عن مهنة إدريس، يذكر الشيخ أنه كان خيّاطًا، وأنه لم يكن يضع إبرة في ثوبه إلا وذكر اسم الله، فكانت كل غرزة عبادة، وكل حركة تسبيحًا، وهذا يوضح كيف يمكن للمؤمن أن يجعل من عمله عبادة إذا كان صادق النية مخلصًا لله في ما يفعل. ومن هنا جاء قوله تعالى: «وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»، أي رفعه الله في المقام كما رفعه في الإيمان.
كيف رفعه الله إلى السماء؟
من أكثر المشاهد الروحية التي يتوقف عندها الشيخ الشنقيطي هي قصة رفع إدريس إلى السماء، إذ يقول إن الله تعالى شاء أن يكرم عبده النبي برفعه إلى مقامٍ لم يبلغه أحدٌ قبله من الأنبياء في تلك المرحلة، وقد ورد في بعض التفاسير أن إدريس سأل أحد الملائكة أن يرفعه إلى السماء ليرى كيف تُكتب أعمال بني آدم، فأذن الله للملك بذلك، فصعد به من سماء إلى أخرى حتى بلغ الرابعة، وهناك قبض الله روحه في مكانٍ رفيع.
غير أن الشيخ يوضح أن الرفع هنا لا يقتصر على الجانب الحسي فقط، بل هو رفع في القدر والمنزلة والدرجة، فالله يرفع عباده بالإيمان والإخلاص والعلم، كما يرفعهم بالعمل الصالح والصدق في الطاعة؛ إدريس عليه السلام لم يُرفع لأنه طلب المجد، بل لأن قلبه كان معلقًا بالآخرة، فاستحق أن يُرفع إليه.
دروس وعبر من حياة إدريس عليه السلام
في الدرس الذي يقدّمه الشيخ الشنقيطي، نجد تركيزًا على الجانب الإيماني والتربوي في القصة أكثر من تفاصيلها التاريخية، إذ يقول إن قصة إدريس تعلمنا أن الكرامة الحقيقية ليست في الجاه ولا في المال، بل في العمل المخلص والنية الصادقة؛ فالإنسان يرتفع بعمله الصالح، ويُكرم بطاعته، وتُكتب منزلته عند الله بقدر إخلاصه.
كما يوضح الشيخ أن إدريس لم يكن نبيًا منعزلاً عن الناس، بل كان يعيش بينهم ويعمل بينهم، وهذا ما يجعل منه قدوة للمؤمن العامل في حياته، الذي يجمع بين العبادة والإنتاج، ومن أبرز ما يُستفاد من قصته أن الإيمان لا يُقاس بكثرة الكلام أو الشعائر، بل بكيفية انعكاسها في حياة الإنسان اليومية.
بين الرفع المادي والمعنوي
يربط الشيخ بين معنى رفع إدريس عليه السلام ومعنى الرفعة الروحية في الإسلام، مبينًا أن الله لا يرفع من الناس إلا من تواضع له، ولا يُكرم إلا من أخلص في عبادته، لذلك كانت رفعة إدريس تكريمًا من الله لعبده الصالح، لتبقى رسالته شاهدًا على أن الطريق إلى الرفعة يبدأ من التواضع وينتهي إلى الطاعة.
ويضيف أن رفع إدريس لم يكن حدثًا خارقًا فيزيائيًا فحسب، بل رمزًا للسمو الإنساني في أبهى صوره. فكل مؤمن يمكن أن يُرفع مكانًا عليًا في حياته إذا جعل من دينه سلوكًا ومن عمله عبادة، إن الله رفع إدريس لأنه كان يعمل بصمت ويذكر الله في كل خطوة، فاستحق أن يُذكر اسمه في القرآن ويُخلد في ذاكرة الإيمان.
إدريس في القرآن والسنة
تؤكد آيات القرآن الكريم أن إدريس من الذين جمعوا بين النبوة والصدق، وقد ورد اسمه في سورتي مريم والأنبياء، مما يدل على مكانته بين المرسلين، وفي بعض الأحاديث ورد أنه كان من أجداد نبي الله نوح عليه السلام، وأن رسالته كانت مقدمة للرسالات الكبرى التي جاءت بعده.
ويذكر الشيخ الشنقيطي أن إدريس كان يعيش في مرحلةٍ تسبق الطوفان بزمن طويل، وقد أسس لمجتمعٍ يقوم على العلم والإيمان، فكان نبي البناء والعقل والعمل، وبه بدأت فكرة التنظيم الإنساني في العبادة والمعيشة.
العبرة الأخيرة
في ختام الدرس، يدعو الشيخ محمد بن علي الشنقيطي المستمعين إلى التأمل في قصة إدريس كرمزٍ للإنسان الذي يربط الأرض بالسماء من خلال عمله وإيمانه، فرفع الله له لم يكن صدفة، بل نتيجة حياة مليئة بالصدق والتقوى. وهنا تتجلّى رسالة إدريس لكل مؤمن: أن السمو الحقيقي لا يتحقق إلا بالطاعة، وأن الله يرفع الذين آمنوا وعملوا الصالحات درجات.
قصة إدريس عليه السلام هي تذكير لكل من يسعى إلى الرقي بأن المجد لا يُطلب بالسعي وراء الدنيا، بل بالعمل المخلص الذي يباركه الله. إنها دعوة لأن نحيا بإيمانٍ يجعلنا نرتقي بالروح والعقل، ونحوّل أعمالنا اليومية إلى طريقٍ نحو الرفعة الحقيقية عند خالقنا.
إدريس عليه السلام-قصة إدريس-الشيخ محمد بن علي الشنقيطي-رفع إدريس إلى السماء-قصص الأنبياء-دروس قرآنية-الإخلاص في العمل-العلم في الإسلام-الرفعة الروحية-مكانة إدريس-

