قصة الشاب الكشميري شاكيل أحمد بهات
شاكيل أحمد بهات .. قصة الشاب الكشميري الذي حوّلت صورته الغاضبة إلى أداة لتشويه الإسلام
منذ سنوات تتداول منصات اليمين المتطرف حول العالم صورة لشاب كشميري بملامح غاضبة تحوّلت تدريجياً إلى أيقونة تستخدم في حملات تشويه المسلمين وتصويرهم كرموز للعنف، لكن هذه الصورة التي انتشرت دون سياق تخفي خلفها قصة إنسانية بالغة القسوة لشاب لم يكن سوى ضحية لعشرات الانتهاكات التي تعرضت لها أسرته في كشمير؛ اسمه شاكيل أحمد بهات وقد أصبح مثالاً صارخاً لكيف يمكن لوسائل الإعلام المتحيزة أن تقلب الحقائق وتحوّل المظلوم إلى معتدٍ بينما تتجاهل جذور الغضب الحقيقي الذي عاشه لسنوات طوال.
البداية المأساوية لانكسار الطفولة
كان شاكيل في الثانية عشرة من عمره عندما اقتحمت قوات الشرطة الهندية منزل أسرته في إحدى حملات التفتيش العنيفة التي كانت جزءاً من واقع يومي يعيشه الكشميريون، وفي تلك الليلة السوداء ألقت الشرطة شقيقته الصغيرة من نافذة المنزل لتسقط مصابة بكسور بالغة في العمود الفقري أصابتها بشلل كامل قبل أن ترحل عن الحياة بعد أربع سنوات من المعاناة؛ شكّل هذا الحدث نقطة تحول هائلة في حياة شاكيل إذ انكسرت طفولته تماماً ووجد نفسه محاصراً بغضب دفين رافقه سنوات طويلة ولم يكن غضباً عبثياً بل نتيجة مباشرة لعنف مستمر عانت منه عائلته كغيرها من عائلات كشمير.
انخراطه في الحراك السياسي السلمي
بعد وفاة شقيقته انضم شاكيل إلى الحراك السياسي السلمي الذي كان يدعو لاستقلال كشمير ووقف الانتهاكات بحق السكان، كان يرى أن الدفاع عن قضيته واجب إنساني قبل أن يكون خياراً سياسياً وقد شارك في عشرات الوقفات والاحتجاجات التي طالبت بوقف العنف واحترام حقوق الإنسان، لم يحمل سلاحاً ولم يكن يوماً جزءاً من جماعات مسلحة لكن وجوده في المظاهرات جعل منه هدفاً سهلاً للاعتقال والمضايقات المتكررة على يد القوات الهندية التي كانت تعتبر أي تعبير سلمي شكلاً من أشكال التمرد.
الصورة التي حُرفت خارج سياقها
في عام 2007 شارك شاكيل في مظاهرة احتج فيها الكشميريون على الرسوم المسيئة للنبي ﷺ وكانت مظاهرة سلمية لم تشهد أي أعمال عنف. التقط أحد المصورين صورة له وهو يصيح غاضباً وسط الحشود وكانت صرخة نابعة من سنوات الألم والفقد التي عاشها، لكن الصورة خرجت لاحقاً من سياقها الحقيقي وتلقفها اليمين المتطرف في عدة دول ليستخدمها رمزاً للعنف الإسلامي المزعوم رغم أن الحقيقة تعاكس تماماً هذا التوظيف المضلل. تحولت الصورة إلى مادة ساخرة ومسيئة وانتشرت في حملة ممنهجة لتشويه صورة المسلمين في الغرب دون ذكر خلفية الشاب ولا ما عاشه من مآسٍ.
ثلاثمائة اعتقال في عمر الشباب
لم تمضِ سنوات طويلة حتى أصبح شاكيل واحداً من أكثر الشباب الكشميريين الذين تعرضوا للاعتقال المتكرر حيث ألقي القبض عليه أكثر من ثلاثمائة مرة بتهم مختلفة أغلبها يتعلق بالمشاركة في مظاهرات سلمية أو مخالفة حظر التجول، كانت الاعتقالات قاسية وتعسفية تمتد أحياناً لأسابيع دون تحقيق أو توجيه تهم واضحة مما أثر على دراسته وحياته الاجتماعية ونفسيته. ومع ذلك ظل متمسكاً بقناعته بأن المقاومة السلمية هي الطريق الوحيد للتعبير عن حق الكشميريين في الكرامة والحرية.
مأساة الأسرة بين فقد ومرض وألم دائم
لم تكن معاناة شاكيل فردية بل امتدت إلى أسرته كلها. فبعد سنوات من الاعتقالات فقد أخاه الذي توفي إثر نزيف دماغي نتيجة ظروف نفسية وصحية مرتبطة مباشرة بالتوترات الأمنية التي تحيط بهم منذ سنوات، فيما أصبح والده طريح الفراش بسبب الضغوط المستمرة والاقتحامات المتكررة التي تنفذها القوات الهندية على المنازل الكشميرية بحثاً عن أي دليل مزعوم على نشاط سياسي، وهكذا وجد شاكيل نفسه محاطاً بخسارات متتابعة بين فقد الأخت ووفاة الأخ ومرض الأب وهي عوامل عمّقت مشاعر الظلم لديه وزادت من حدة التعبير البصري الذي سجله المصور في الصورة الشهيرة.
تحريف الواقع وتزييف الوعي العالمي
أبرز ما تكشفه قصة شاكيل أن الصورة الواحدة قادرة على قلب الحقائق إذا أراد الإعلام المنحاز استغلالها. فالصورة التي كانت صرخة ضد الظلم باتت رمزاً لمن يحاولون إلصاق العنف بالمسلمين، ولطالما تعرضت قضايا الأقليات المسلمة في الهند للتهميش إعلاميًا حيث تُقتطع الأحداث من سياقها وتُعرض بشكل يخدم رواية أحادية تتجاهل الانتهاكات التي يتعرضون لها بشكل شبه يومي. وهذا ما حدث مع شاكيل الذي تحولت معاناته الإنسانية إلى مادة ساخرة بدلاً من أن تكون دليلاً دامغاً على أن الغضب الذي ظهر عليه هو انعكاس طبيعي لسنوات من الاضطهاد.
تحريره من السجن ومحاولة استعادة الحياة
في عام 2020 خرج شاكيل من السجن بعد آخر موجة اعتقال طويلة لكنه عاد إلى مجتمع تغير كثيراً وتفاقمت فيه الإجراءات الأمنية وصار الوضع أكثر تعقيداً، حاول استعادة حياته لكنه وجد نفسه أمام تراكمات نفسية كبيرة من الصعب تجاوزها بسهولة فالتجربة القاسية التي عاشها لم تكن مجرد اعتقال بل سلسلة مستمرة من فقدان الأحبة وتدمير الاستقرار العائلي. ومع ذلك ظل متمسكاً بالأمل، مدركاً أن قضيته الإنسانية لن تنتهي بمجرد خروجه وأن معركته الحقيقية هي الحفاظ على كرامته وإيصال صوت المظلومين.
حقيقة واحدة
تكشف قصة شاكيل أحمد بهات أن وراء كل صورة شهيرة وجهاً حقيقياً وقلباً مثقلاً بحكايات لا يعرفها الجمهور. وأن الإعلام المتحيز لا يتردد في تحويل الضحية إلى جلاد إذا خدم ذلك أهدافه. وبينما يروج البعض لهذه الصورة باعتبارها دليلاً على العنف فإن الحقيقة تشير إلى العكس تماماً فهي صرخة لمسلم مظلوم عاش طفولة مكسورة وشباباً مثقلاً بالمواجهة واحتجاجاً سلمياً واجهه القمع العنيف. وما بين هذه المفارقة تتجلى خطورة التلاعب بالصور في عصر السرعة الرقمية حيث يمكن للصورة المنزوعة من سياقها أن تصبح أداة لتشويه عقيدة كاملة وشعب بأكمله. وتبقى كشمير مثالاً صارخاً على معاناة شعب يعيش تحت وطأة نزاع طويل دفع ثمنه الأبرياء وفي مقدمتهم شاكيل الذي لا يزال حتى اليوم رمزاً للظلم الإنساني قبل أن يكون رمزاً سياسياً.
شاكيل أحمد بهات، كشمير، صورة الغضب، اليمين المتطرف، تشويه الإسلام، مظاهرات كشمير، انتهاكات الشرطة الهندية، قضية كشمير، الحقوق الإنسانية، الإعلام المتحيز



