من قصص القرآن الكريم، حكاية سليمان مع الخيل والريح

نستعرض في السطور التالية مشاهد من القصص التي وردت في كتاب الله العزيز، القرآن الكريم، علنَّا نستخلص منها العبر والدروس التي تفيدنا في الدنيا، بتغيير سلوكياتنا إلى الأفضل، فنستزيد من الأفعال الطيبة، والتصرفات الراقية، ونتعامل بالحسنى مع الآخرين، فنفوز ونسعد في الآخرة.
تفاصيل قصة الخيل والريح
ويقص القرآن الكريم قصة جديدة مهمة من حكايات سيدنا سليمان، عليه السلام، حيث يقول تعالى في سورة "ص": "ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب. إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد. فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب. ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق. ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب. قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب. فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب. والشياطين كل بناء وغواص. وآخرين مقرنين في الأصفاد. هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب. وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب" (ص: 30 – 40).
وهب الله، سبحانه، لداود سليمان، عليهما السلام، ثم أثنى الله تعالى عليه فقال: نعم العبد إنه أواب، أي: رجاع مطيع لله. ثم ذكر تعالى ما كان من أمره في الخيل الصافنات - وهي التي تقف على ثلاث وطرف حافر الرابعة - الجياد; وهي المضمرة شديدة السرعة: فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب، يعني: الشمس. وقيل: الخيل.
"ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق"، قيل: مسح عراقيبها وأعناقها بالسيوف. وقيل: مسح عنها العرق لما أجراها وسابق بينها وبين يديه، على القول الآخر. والذي أيده أكثر السلف الأول; فقالوا اشتغل بعرض تلك الخيول حتى خرج وقت العصر وغربت الشمس.
روى هذا عن علي بن أبي طالب وغيره. والأمر الأكيد، أنه لم يترك الصلاة عمدا من غير عذر، اللهم إلا أن يقال: إنه كان سائغا في شريعتهم تأخير الصلاة لأجل أسباب الجهاد، وعرض الخيل من ذلك.
وعلى هذا فيحمل فعل سليمان، عليه السلام، على هذا.
وقال بعضهم: إن الضمير في قوله: فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب، عائد على الخيل، وإنه لم يفته وقت صلاة، وإن المراد بقوله: "ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق"، يعني: مسح العرق عن عراقيبها وأعناقها.
وبرروا تفسيرهم بأنه ما كان ليعذب الحيوان بـ"العرقبة" ("العرقبة" تعني قطع العرقوب)، ويهلك مالًا بلا سبب ولا ذنب لها.
غدوها شهرا ورواحها شهرا
وروى بعض العلماء أنه لما ترك سليمان الخيل لله، عوضه الله عنها بما هو خير له منها، وهو الريح التي كان غدوها شهرا ورواحها شهرا.
أما قوله تعالى: "ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب"، فقد ذكر البعض من المفسرين، هاهنا، آثارا كثيرة عن جماعة من السلف، وأكثرها أو كلها متلقاة من الإسرائيليات، وفي كثير منها خرافات لا تصدق.
وفحوى ما ذكروه أن سليمان، عليه السلام، غاب عن سريره أربعين يوما، ثم عاد إليه، ولما عاد أُمر ببناء بيت المقدس، فبناه بناء محكما، والصحيح أنه جدده، وأن أول من جعله مسجدا إسرائيل (يعقوب)، عليه السلام.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه، عز وجل، خلالا ثلاثا، فأعطاه اثنتين، ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة; سأله حكما يصادف حكمه، فأعطاه إياه، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد خرج من خطيئته مثل يوم ولدته أمه، فنحن نرجو أن يكون الله قد أعطانا إياها".
وقال المفسرون: الحكم الذي يوافق حكم الله تعالى، أنه أثنى الله تعالى عليه وعلى أبيه في قوله: "وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما".
حكمة سليمان وداود
وذكر غير واحد من السلف، أن هؤلاء القوم كان لهم كرم فنفشت فيه غنم قوم آخرين، أي رعته بالليل فأكلت شجره عن آخره، فتحاكموا إلى داود عليه السلام، فحكم لأصحاب الكرم بقيمته، فلما خرجوا على سليمان، قال: بما حكم لكم نبي الله؟ فقالوا: بكذا وكذا. فقال: أما لو كنت أنا لما حكمت إلا بتسليم الغنم إلى أصحاب الكرم، فيستغلونها نتاجا ودرا حتى يصلح أصحاب الغنم كرم أولئك ويردوه إلى ما كان عليه، ثم يتسلموا غنمهم. فبلغ داود عليه السلام، ذلك فحكم به.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما امرأتان معهما ابناهما، إذ عدا الذئب فأخذ ابن إحداهما فتنازعتا في الآخر، فقالت الكبرى: إنما ذهب بابنك. وقالت الصغرى: إنما ذهب بابنك. فتحاكمتا إلى داود فحكم به للكبرى، فخرجتا على سليمان، فقال: ائتوني بالسكين أشقه نصفين، لكل واحدة منكما نصفه. فقالت الصغرى: لا تفعل، يرحمك الله، هو ابنها. فقضى به لها.
ولهذا أثنى الله عليه بما ألهمه إياه، ومدح بعد ذلك أباه فقال: "وكُلًّا آتينا حُكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين * وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون"..
و