أماني هاشم تكتب: حنين إلى أبي

مات أبي في أوائل الأربعينيات من عمره.. مات صغيراً قوياً عزيزاً.. مات بلا أي مرض ولا مقدمات!.
عاش أبي طيلة عمره في التعلم والكفاح، ليحصل على شهادة الهندسة، التي أراد أن يفتحر أولاده بها، وعندما تعدل وضعه في العمل، جاء أمر الله له بالرحيل.
مات أبي وأنا صغيرة جدا، لم أتذكر له سوى لحظات نادرة من الذكريات، ربما لم أشعر بوجوده قط، لكني تألمت لعدم وجوده عشرات السنوات.
مات أبي منذ ما يقرب الثلاثون عاماً، إلا إني مازلت أفتقده، وأدعو له، عاش معي قليل القليل، وعشت على ذكراه كثيراً كثيرا.
ربما كان أبي عديم الحظ لأنه لم يرى ثمرة كفاحه في حياة عينه.. أو ربما كان محظوظاً أن يقضى مع أطفاله القليل من السنوات، ويتركهم يدعون له ويصلون من أجله عشرات السنوات!.. لم يكن شعوري تجاه أبي ما يسمى اشتياقا.. فأنا لم أعتاد وجوده، ولكنه كان حنيناً واحتياجاً.. كاحتياج الجزء للكل .. كان هناك دائماً "كلً" ناقص!.
ولم يعد عندي أي أمل في اللقاء الدنيوي.. نعم لم يعد..!! فلقد عشت أنا وأخوتي كثيراً على أمل اللقاء في الدنيا، فكثيرا كنا ما نسمع عن الحكايات النادرة والغريبة للموتى العائدون من الموت، ودائما ما كنا ننتظر عودته!..
ربما أخطأ الطبيب في احتسابه من الموتى.. ربما يصحو داخل القبر ويعود.. يعود لأهله ولأبناءه... ولكن بعدما طال الغياب، فقدنا الأمل، وتأكدنا في الدنيا من عدم اللقاء! .
ليبقى إيماني بالآخرة هو الأمل الوحيد بالنهاية العادلة التي تجمعنا.. عما قريب.. نعم عما قريب، فحتى وإن طال العمر مقارنة بالآخرة يبقى قليل!.
رزقك الله الفردوس يا أبي.
فنانة تشكيلية مصرية