ليلة الاغتيال في طهران.. الساعات الأخيرة في حياة إسماعيل هنية كما رواها المقربون (فيديو)

في مساء صيفي هادئ على أطراف العاصمة الإيرانية طهران، بدت الأجواء في حي "سعدات آباد" اعتيادية، لكن خلف أسوار دار الضيافة التابعة للحرس الثوري الإيراني، كانت تُكتب واحدة من أكثر الليالي غموضًا في تاريخ الصراع الفلسطيني. فهناك، داخل شقة بالطابق الرابع، انتهت حياة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في واقعة اغتيال ما تزال تفاصيلها الدقيقة محل جدل وتكهنات.
من غزة إلى طهران.. زيارة بدأت رسمية وانتهت مأساوية
تلقى إسماعيل هنية دعوة رسمية من طهران لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، ليترأس وفدًا رفيع المستوى من حركة حماس توجه إلى العاصمة الإيرانية للمشاركة في الفعاليات. وبحسب مصادر خاصة، فقد أُقيم الوفد في دار ضيافة فخمة يخصصها الحرس الثوري الإيراني لاستقبال كبار السياسيين والضيوف الأجانب.
اختيرت الشقة الواقعة على الجهة اليمنى من الطابق الرابع كمقر إقامة هنية وطاقمه الأمني، وهي الشقة نفسها التي تحولت لاحقًا إلى مسرح جريمة معقدة أعادت إلى الأذهان عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة المقاومة في الخارج.
فحص أمني دقيق قبل الإقامة
وفقًا لمصادر أمنية قريبة من هنية، أجرى فريقه الأمني تفتيشًا شاملًا للشقة قبل الإقامة فيها، مستخدمين أجهزة متطورة للكشف عن الأجسام الغريبة أو المتفجرات، كما جرى فحص فيزيائي دقيق للغرف، خاصة غرفة نوم هنية.
ورغم أن كل شيء بدا طبيعيًا، إلا أن تفاصيل الساعات التالية كشفت عن ثغرة أمنية قاتلة لم يُكتشف مصدرها حتى الآن.
جدول حافل بلقاءات رسمية
في اليوم التالي، شارك هنية في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد وسط اهتمام واسع من وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، ثم زار متحف فلسطين في طهران برفقة الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي. وفي المساء، حضر مأدبة عشاء أقامها بزشكيان على شرف الوفود المشاركة، قبل أن يعود إلى مقر إقامته قرابة منتصف الليل.
الجلسة الأخيرة.. نقاش حول الحرب وغزة
عند عودته، أدى هنية صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا مع أفراد طاقمه الأمني، ثم عقد اجتماعًا مطولًا مع قيادات من حماس من بينهم خليل الحية وزاهر جبارين، حيث تناولوا آخر التطورات في الحرب الدائرة في قطاع غزة.
وخلال النقاش، وردت أنباء عن اغتيال شخصية عسكرية كبيرة في لبنان، ما أثار توترًا ملحوظًا في أجواء الجلسة. مضت ساعة تقريبًا قبل أن يشعر هنية بالإرهاق، فاستأذن بالراحة وتمدد على الأريكة وغطّ في نوم قصير.
فجر الاغتيال.. خمس دقائق غيرت كل شيء
استيقظ هنية بعد نحو عشرين دقيقة وأكمل حديثه حتى قرابة الساعة الواحدة صباحًا، ثم توجه إلى غرفته الخاصة، بينما بقي مرافقه وسيم أبو شعبان في الخارج لحراسة المدخل.
بحسب روايات فريقه الأمني، جلس وسيم على كرسي جانبي يتلو من مصحفه الصغير حتى الساعة الواحدة وخمس دقائق، بينما كان هنية داخل الغرفة يتصفح هاتفه بهدوء.
لكن بعد دقائق معدودة، انقطع الاتصال الصوتي، تلا ذلك صمت غريب في المقر. ثم دوى نداء مضطرب في جهاز الاتصال الداخلي:
"وسيم... وسيم... الحاج استشهد..."
كانت تلك آخر الكلمات التي سُمعت من فريق الحماية، قبل أن تتحول الشقة الهادئة في سعدات آباد إلى نقطة صراع استخباراتي مفتوح بين طهران وتل أبيب وحماس.
أسئلة معلقة وغموض متزايد
حتى اللحظة، لم تصدر السلطات الإيرانية رواية رسمية متكاملة حول تفاصيل العملية، بينما اكتفت حماس بتأكيد أن التحقيقات جارية وأن المؤشرات الأولية تشير إلى "اختراق أمني منظم".
مصادر أخرى تحدثت عن احتمال استخدام غاز سام أو تقنية اغتيال دقيقة استهدفت هنية داخل غرفته دون آثار مادية واضحة، ما جعل العملية تُوصف بأنها "اغتيال نظيف" يشي بضلوع أجهزة استخبارات متطورة.
انعكاسات سياسية على المشهد الفلسطيني
اغتيال هنية في طهران، إن تأكدت تفاصيله النهائية، لا يمثل فقط خسارة لقائد سياسي بارز، بل يشكل نقطة تحول في العلاقة بين حماس وإيران، كما يضع محور المقاومة أمام اختبار صعب يتعلق بأمن قياداته ومستقبل التنسيق الإقليمي.
في المقابل، يرى مراقبون أن الحدث قد يُعيد خلط الأوراق داخل الساحة الفلسطينية، ويفتح الباب أمام قيادات جديدة لتولي دفة القيادة وسط مرحلة شديدة التعقيد سياسيًا وميدانيًا.
ما بعد الاغتيال
بين صمت رسمي وتكتم استخباراتي، تبقى ليلة سعدات آباد واحدة من أكثر الأحداث غموضًا في تاريخ الصراع المعاصر، ليلة سقط فيها إسماعيل هنية بين جدران شقة مؤمنة في طهران، ليغدو موته لغزًا يطارد أجهزة الأمن والمحللين على حد سواء.
ففي تلك الليلة، انتهت حياة رجل، لكنها فتحت فصلًا جديدًا من حرب الظل بين حماس وإسرائيل، حرب تُدار في الخفاء، ولكنها تترك أثرها العميق على كل ما يجري فوق الأرض في غزة وطهران وبيروت.
إسماعيل هنية، اغتيال هنية في طهران، وفد حماس إلى إيران، مسعود بزشكيان، دار الضيافة الإيرانية، الحرس الثوري الإيراني، سعدات آباد، جهاز أمن حماس، وسيم أبو شعبان، خليل الحية، زاهر جبارين، اغتيالات حماس، الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، محور المقاومة، المخابرات الإيرانية، غزة، الحرب في غزة.