بين مقال يا شراميط والفكر الثقافي.. عباس محمود العقاد: ساعات بين الكتب

حديث عن الكتب وحكايات المؤلفين .. كنتُ أهاتف الشيخ عبد الوهاب الطريري ونتحدث عن الكتب وشؤون المطابع وقصص المؤلفين. كان النقاش مع الشيخ الطريري ممتعًا ومليئًا بالفوائد؛ فهو يتذوق القصة الجميلة ويطرب للعبارة الحلوة ويتأمل في حياة الكُتَّاب. حدثني مرارًا عن مقالات الزيات وعصر مجلة الرسالة.
وصل الحديث بنا إلى عباس محمود العقاد، وأخذ الشيخ الطريري يحدثني عن عودته إلى كتاب في بيتي للعقاد، فرأى بعد قراءته أنه كان أقل مما توقعه من قلم مثل العقاد. وعندما قال هذه العبارة، تذكرت على الفور ما كتبه ماهر شفيق فريد عن زهده في كتابات العقاد مع كبر سنه، فلم تعد تثير ذهنه.
وأذكر هنا طرفة رواها كامل الشناوي في كتاب الناطق الأخرس، قال:
"لمَّا سُئل العقاد عن رأيهِ في صوت الموسيقار محمد عبد الوهاب، قال: (لا عيبَ فيه إلا إعجابُ أحمد شوقي به!)."
العقاد بين أسوان والقاهرة
وُلد العقاد في أسوان عام 1889م، وذكر تفاصيل طفولته هناك في سيرته أنا. قدم صورة لمدينة يلتقي فيها القديم بالجديد، حيث كانت أسوان ملتقى الأوروبيين شتاءً، تحمل روحًا حديثة نسبية.
يقول العقاد:
"أوروبا كلها كانت تتراءى هناك.. كل شيء بملاهيها، وأزيائها، وعادتها، ومؤلفاتها، وفنونها، واختلاف أقوامها."
ومن الطرائف أن أحد السيَّاح الأجانب أهداه ترجمة للقرآن الكريم وكتاب توماس كارلايل عن الثورة الفرنسية. كان والده أمينًا للمحفوظات بإقليم أسوان، الأمر الذي وفر له فرصة الاطلاع المبكر.
عشق الكتب وتكوين العقل
منذ صغره، أبدى العقاد شغفًا استثنائيًا بالقراءة. عمل موظفًا صغيرًا في السكة الحديد ثم في المحاكم المختلطة، لكنه أنفق راتبه الأول على شراء الكتب.
قال في سيرته:
"كنتُ أقتصد في طعامي لأشتري كتابًا جديدًا."
وكان يقرأ في الفلسفة والأدب والعلوم والسياسة، حتى كوَّن ثقافة موسوعية أهَّلته ليصبح أحد أعمدة الفكر العربي في القرن العشرين، رغم أنه لم يحصل على شهادة جامعية.
الطريري والذكريات مع المؤلفين
يحكي الشيخ الطريري في سماء الذاكرة عن لقاءاته بالمؤلفين الذين أحب كتبهم. ذكر جلال أمين وكتابه ماذا علمتني الحياة، وأشاد به، كما تحدث عن الطيب صالح وموسم الهجرة إلى الشمال.
وكان دائم البحث عن المعنى العميق وراء الكتب، كما فعل مع العقاد، حيث رأى أن بعض كتبه المتأخرة فقدت روح التحدي التي كانت في بداياته.
حياة فكرية ومعارك أدبية
لم تكن حياة العقاد مجرد تأليف وقراءة، بل كانت أيضًا ساحة معارك فكرية وأدبية وسياسية.
اشتهر بمعاركه مع أنيس منصور، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين أحيانًا، كما خاض معركة مشهورة ضد الملك فؤاد الأول بسبب معارضته للحكم الملكي، فسُجن تسعة أشهر في عام 1930م.
وكان يقول:
"سُجنت لأنني قلت كلمة حق، ولا أندم."
إرث العقاد وأثره في الأجيال
ترك العقاد أكثر من مئة كتاب في مجالات الأدب، والفكر، والفلسفة، والإسلاميات، منها: عبقرية محمد، عبقرية عمر، ساعات بين الكتب، رجال عرفتهم، أنا، وسيرة سعد زغلول.
وتظل سيرته رمزًا للمثقف العصامي الذي صنع نفسه من القراءة والمثابرة، وأصبح مدرسة في النقد والفكر والتحليل.
العقاد مدرسة لا تموت
رحل العقاد عام 1964م، لكن أثره ما زال باقيًا في وجدان القراء والباحثين. هو نموذج للعقل العربي الحر، الذي جمع بين صلابة الرأي واتساع المعرفة، وبين عشق الكتب والجرأة في قول الحقيقة.
يقول مصطفى أمين في كتابه ضمن كلام كثير: "... كان السياسيون في عهد حرية الصحافة يتحملون النقد والهجوم. قيل فيهم أكثر مما قاله مالك في الخمر، وكان من بين الأبواب المشهورة في المجلات في الثلاثينات باب اسمه "حقائق وقاذورات"، و"من بئر قذر"، ونشر الأستاذ العقاد مرة مقالاً يهاجم فيه حزب الأحرار الدستوريين، بعنوان "يا شراميط". [كان ذلك قبل سنوات من استخدام بعض المشايخ هذه الكلمة. وإذا لم تصدقني، يمكن أن ترجع إلى كتاب مصطفى أمين للتأكد بنفسك]
نشرت مجلة الكشكول مقالاً عن مصطفى النحاس باشا عنوانه "الرئيس الجليل يطرطر في شارع الأهرام"... وفي أول الأمر، أقبل الناس على هذا النوع من الردح السياسي، ثم انحسر هذا الأسلوب بفضل انتشار التعليم، وأصبح القارئ المصري يضيق بالشتائم، ويكره السباب وظهر أسلوب النقد المؤدب العفّ، يتزعمه عبد القادر حمزة في جريدة البلاغ، ثم أسلوب النقد الساخر، يتزعمه محمد التابعي في مجلة روز اليوسف.
وكانت جريدة الكشكول أول جريدة تطاولت على الزعيم سعد زغلول، ووجهت إليه أشنع التهم وانهالت عليه بالشتائم والسباب، وهزأت به وسخرت منه، وقالت عنه إنه سيسلم البضاعة للإنجليز، ونشرت الأكاذيب عن زعماء "الوفد"، فلم تترك واحداً منهم إلا ومزقته شر ممزق. وحاول الوفديون أن يخرسوا المجلة الوقحة، ففشلت كل محاولاتهم، وأصدر أحمد حافظ عوض مجلة فكاهية اسمها خيال الظل، ينافس بها مجلة الكشكول، لكن مجلة الكشكول، بخفة دمها، هزمت مجلة خيال الظل التي تؤيدها أغلبية الشعب".
عباس محمود العقاد، كتب العقاد، سيرة العقاد الذاتية، مؤلفات العقاد، عبقرية محمد عباس العقاد، ساعات بين الكتب، أنا عباس محمود العقاد، حياة عباس العقاد، فكر عباس العقاد، مقالات العقاد، معارك العقاد الأدبية، العقاد والرافعي، العقاد وطه حسين، الأدب العربي الحديث، تاريخ الأدب العربي، مثقفو القرن العشرين، المدرسة الفكرية للعقاد، العقاد والسياسة، العقاد والقراءة، أثر العقاد في الأدب العربي،




