نظريات التحفيز الصناعي للبراكين
هل تم تحفيز بركان هايلي جوبي في إثيوبيا بعد 12 ألف عام من الخمول؟ ما علاقة سد النهضة

في حدث جيولوجي استثنائي قلب مواقع التواصل ومراكز الأبحاث رأسا على عقب استيقظ بركان هايلي جوبي في إقليم عفار الإثيوبي بعد خمول امتد أكثر من 12 ألف سنة ليتحول المشهد خلال دقائق إلى سحابة رماد سوداء ضخمة غطت السماء وأعادت النقاش حول ارتباط النشاط البركاني بالصفائح التكتونية في المنطقة إضافة إلى بروز موجة من نظريات المؤامرة التي ربطت الانفجار المفاجئ بسد النهضة وبإمكانية تحفيز البراكين صناعيا ضمن صراعات إقليمية أو تكنولوجية متقدمة أثارت مخاوف السكان وتصدرت العناوين الدولية كلها في آن واحد.
البيئة الجيولوجية لعفار
منطقة عفار تعد واحدة من أخطر النقاط الجيولوجية على سطح الأرض إذ تقع عند التقاء ثلاث صفائح تكتونية ضخمة وهي الصفيحة الإفريقية والصومالية والعربية وتشبه المنطقة فوهة مفتوحة في قشرة الأرض التي لا يتجاوز سمكها هناك 20 كيلومترا مقارنة بأماكن أخرى في إفريقيا يتراوح سمكها بين 40 و50 كيلومترا ما يجعلها بوابة طبيعية لخروج الماجما وتكرار الانفجارات البركانية والزلازل وقد سجلت المنطقة خلال العقدين الأخيرين أكثر من 15 ثورانا بركانيا إضافة إلى شقوق ضخمة مثل الشق الهائل الذي ظهر عام 2005 بطول 60 كيلومترا وعرض 8 أمتار خلال أسبوعين فقط.
الانفجار المفاجئ
عند الساعة الثامنة والنصف صباحا بتوقيت غرينتش يوم 23 نوفمبر 2025 استيقظ بركان هايلي جوبي من سباته الطويل على انفجار مرعب ارتفع فيه عمود الرماد إلى أكثر من 14 كيلومترا في السماء وسجّلت الأقمار الصناعية التابعة لوكالة ناسا وشركة بلانيت ظهور سحابة رماد ضخمة بعد دقيقة واحدة فقط من بدأ الثوران بينما وصف السكان المحليون ما حدث بأنه أشبه بانفجار قنبلة هائلة إذ سبقه صوت مدو أعقبه موجة صدمية اهتزت معها الأرض تحت أقدامهم في منطقة تصل فيها الحرارة في الصيف إلى 50 درجة مئوية ولا يسكنها سوى عشرات الآلاف.
الإخلاء والتأهب
مكتب الطوارئ والكوارث في إقليم عفار أعلن إخلاء ما يزيد على ستين ألف شخص من القرى القريبة خشية تكرار الانفجار أو حدوث زلازل مرافقة نظرا لكون النشاط الزلزالي من أكثر العوامل خطورة في مناطق الصدع الإفريقي الكبير وتشير إحصاءات برنامج البراكين العالمي إلى أن إثيوبيا تضم أكثر من خمسين بركانا هوليسينيا نشطا أغلبها يتمركز في المنطقة نفسها ما يجعلها إحدى أكثر مناطق إفريقيا حساسية لأي تغير جيولوجي مفاجئ.
موجة نظريات المؤامرة
بمجرد انتشار صور الانفجار تعالت أصوات على مواقع التواصل تربط بين عودة البركان إلى النشاط وبين أزمة سد النهضة إذ زعمت بعض الحسابات أن الانفجار قد يكون مفتعلا بهدف التأثير على استقرار السد أو خلق موجات من الفيضانات باتجاه مصر والسودان فيما ذهب آخرون إلى اتهام قوى دولية باستخدام تكنولوجيا سرية لإثارة البراكين بهدف إحداث تغيرات جغرافية أو سياسية ورغم انتشار هذه الروايات بسرعة خاطفة فإن الخبراء أكدوا أن الانفجار طبيعي تماما ناتج عن تراكم الضغط في غرفة الماجما لا أكثر.
البعد العلمي للظاهرة
الدراسات الجيولوجية الحديثة تفسر ما حدث بأن الصفائح التكتونية في منطقة عفار تتباعد بمعدل يتراوح بين واحد واثنين سنتيمتر سنويا ما يسمح للماجما بالصعود بسرعة إلى السطح وهذا ما يجعل المنطقة تتنفس بركانيا بشكل شبه مستمر غير أن المثير للدهشة في حالة هايلي جوبي هو أنه ظل خامدا لآلاف السنين قبل أن ينفجر فجأة نتيجة تراكم ضخم للمجما تحت القشرة الدقيقة وربما نتيجة ذبذبات زلزالية بسيطة ساعدت في تفجير الضغط الداخلي.
الربط مع سد النهضة
رغم أن بعض التحليلات الشعبية تربط بين البركان والسد فإن الحقائق العلمية تفيد بأن المسافة بينهما تتجاوز الألف كيلومتر وبالتالي لا يوجد أي تأثير مباشر محتمل لكن الرماد البركاني يمكن نظريا أن يؤثر على المناخ المحلي ويغير نسب الأمطار أو يزيد من ترسيب الأتربة في مناطق الأنهار الأمر الذي قد ينعكس في المستقبل على معدلات الطمي في مجرى النيل الأزرق وهو ما قد يؤثر على السعة التخزينية للسد على مدى زمني طويل مثلما أشارت إحدى الدراسات عام 2017 عن زيادة الرواسب في النيل الأزرق إلى 287 مليون متر مكعب سنويا.
هل يمكن تحفيز البراكين صناعيا
السؤال الأكثر إثارة للجدل كان حول إمكانية تحفيز البراكين الخامدة عمدا وهو موضوع بحثي حساس جدا ورغم عدم وجود دليل واحد على استخدام أي دولة أو جهة لتقنيات تحفيز صناعي للبراكين فإن عددا من الأبحاث الحديثة ناقش هذه الفكرة نظريا مثل دراسة منشورة عام 2023 في مجلة فيوتشر تحدثت عن إمكانية تعديل سلوك البراكين أو استغلال طاقتها عبر حقن مواد في غرف الماجما لزيادة الضغط وهو ما يحمل جانبا علميا وآخر أخلاقيا خطيرا للغاية خاصة أن أي محاولة للتحفيز قد تؤدي إلى انفجارات كارثية لا يمكن السيطرة عليها.
النشاط البركاني وتأثيره على السيول
الرماد الكثيف الذي يغطي التربة بعد أي انفجار بركاني يجعل الأرض غير قادرة على امتصاص مياه الأمطار ما يزيد احتمالات تشكل السيول السريعة وقد شهدت دول مثل إندونيسيا تجارب مشابهة بعد انفجار بركان ميرابي ومع أن منطقة عفار صحراوية فإن انتقال الرماد إلى مناطق رطبة يمكن أن يجعله عاملا مساهما في تشكل فيضانات محدودة لكنه لا يملك القدرة على إحداث موجات مياه تدمر السدود فورا كما تتخيل بعض النظريات المتداولة.
التقييم العلمي والختام
حتى اللحظة تشير كل الأدلة إلى أن ما حدث في هايلي جوبي هو انفجار طبيعي بالكامل مرتبط بالنشاط التكتوني العميق ولا توجد شواهد علمية على أي تدخل خارجي أو تحفيز صناعي ومع ذلك يبقى الحدث واحدا من أهم الظواهر الجيولوجية في شرق إفريقيا خلال العقود الأخيرة لأنه يعيد رسم خريطة فهم العلماء لمنطقة الصدع الإفريقي الكبير ويؤكد أن البراكين الخامدة ليست ميتة وإنما قادرة على الاستيقاظ في أي وقت إذا توافرت الظروف المناسبة وهو ما يجعل المتابعة والرصد والتحليل ضرورة مستمرة لحماية السكان وفهم مستقبل المنطقة.
بركان هايلي جوبي، بركان إثيوبيا، عفار، الصدع الإفريقي الكبير، انفجار بركاني، سد النهضة، إثيوبيا، براكين خامدة، نشاط تكتوني، مجما، زلازل إثيوبيا، رماد بركاني، فيضانات النيل الأزرق، نظريات المؤامرة حول السد، البراكين في إفريقيا، أخبار جيولوجية، تحفيز البراكين صناعيا

