العرب 24
جريدة العرب 24

كورال .. منظومة التشويش التركية

كورال .. منظومة التشويش التركية التي دمرت طائرات الهند في حرب باكستان

منظومة كورال
دعاء مكرم عبد اللطيف -

منذ اندلاع اشتباكات مايو عام ألفين وخمسة وعشرين بين القوات الجوية الهندية ونظيرتها الباكستانية، بقيت الأسئلة المطروحة أكثر من الإجابات الواضحة، خصوصا بعدما انتهت تلك المواجهات القصيرة والمكثفة بإسقاط ست طائرات هندية في ظرف زمني اعتبره خبراء الطيران أسرع مما يمكن تفسيره عبر التفوق التقليدي في المهارات أو التخطيط أو حتى مجرد عنصر المفاجأة، ليبدأ الحديث منذ الساعات الأولى عقب الحادثة عن تدخل محتمل لمنظومة حرب إلكترونية قيل إن باكستان استخدمتها بكفاءة لافتة، وهي المنظومة التركية كورال التي أثارت جدلا واسعا منذ ظهورها في مسارح عمليات مختلفة خلال السنوات الماضية.

في الروايات التي تداولتها تقارير إعلامية ومصادر عسكرية غير رسمية، برزت إشارة واضحة إلى أن منظومة كورال لعبت دورا محوريا في إرباك الموقف الهندي بشكل غير مسبوق، إذ قيل إنها عملت على تعطيل الرادارات الهندية في لحظات الاشتباك الحرجة، ما جعل مقاتلات جي عشرة الباكستانية تظهر على شاشات الخصم وكأنها طائرات شبحية كاملة الاختفاء، وهي رواية وإن لم تصدر بشأنها بيانات رسمية نهائية، فإنها لقيت زخما كبيرا في النقاش العام، خصوصا مع تراكم مؤشرات سابقة حول تطور قدرات الحرب الإلكترونية في المنطقة.

تشويش إستراتيجي

منظومة كورال التي تصنّف ضمن أدوات التشويش الاستراتيجي بعيدة المدى، ظهرت في العديد من التقارير باعتبارها نظاما قادرا على تعطيل أو تضليل أنظمة الرصد والاتصال والتحكم لدى الخصم، وهي ميزة تمنح مستخدمها قدرة على خلق فجوة زمنية في وعي العدو الميداني، وهي الفجوة التي قد تكون فاصلة بين الانكشاف الكامل أو امتلاك المبادرة الجوية، ومع ذلك فإن الحديث عن دور حاسم لتلك المنظومة في اشتباكات مايو بقي محاطا بقدر واضح من التحفظ في الأوساط الرسمية، خاصة مع حساسية الملف بين الدولتين اللتين شهدت علاقتهما توترا مستمرا يتصاعد عند كل حادث حدودي أو جوي.

تقول مصادر دفاعية تحليلية إن تفسير ما حدث في مايو لا يمكن اختزاله في عامل تقني واحد، فالمشهد الاحتكاكي بين سلاحي الجو الهندي والباكستاني معقد بطبيعته، ويتداخل فيه عنصر التوقيت والجاهزية والمعلومات الاستخباراتية المسبقة، إضافة إلى طبيعة المقاتلات المستخدمة ومسار الرحلات التكتيكي، إلا أن المفاجأة الكبرى تمثلت في سرعة فقدان الهند لست طائرات دفعة واحدة في نطاق زمني ضيق، وهو عامل دفع محللين للتساؤل حول ما إذا كانت قدرات التشويش وحدها كافية لصناعة تأثير بهذا الحجم أم أن باكستان كانت قد جهزت خطة محكمة متعددة الأبعاد.

الإشارة الهندية الرسمية الأولى بعد الاشتباك لم تتضمن اتهاما مباشرا لباكستان باستخدام منظومات تشويش أجنبية، لكنها تحدثت عن أن الرادارات الأرضية والجوية واجهت ما وصفته باضطراب تتبع غير معتاد، وهي عبارة فسّرها خبراء على أنها محاولة لتوصيف حالة تشويش محتملة دون الاعتراف المباشر بقدرات الخصم، بينما اعتبرت دوائر أخرى أن الهند فضّلت التريث في إصدار موقف قاطع إلى حين انتهاء التحقيق التقني، خصوصا أن الاعتراف بعجز تقني واسع قد يؤثر على هيبة المؤسسة العسكرية في الداخل.

في المقابل لم تصدر باكستان بيانا رسميا يعترف باستخدام منظومة محددة، بل اكتفى متحدثوها بالقول إن ما حدث في مايو هو نتاج تطوير جاد في تكتيكات سلاح الجو وقدراته القتالية، مضيفين أن المقاتلات جي عشرة باتت تلعب دورا محوريا في ميزان القوى الجوي، وهي رسالة يمكن قراءتها في سياق سياسي أكثر منه تقني، إذ تسعى إسلام آباد إلى تعزيز صورة تطورها العسكري دون كشف أسرار التفوق التقني المحتمل.

الحرب الإلكترونية

المراقبون يشيرون إلى أن الرواية الأقرب للمنطق تجمع بين عنصرين أساسيين، الأول يتعلق بقدرات الحرب الإلكترونية التي تحظى باهتمام متزايد في الجيوش الحديثة، والثاني يتمثل في مهارة التخطيط والتوقيت، فالتشويش وحده لا يسقط ست طائرات إلا إذا استغلته المقاتلات المنفذة بشكل سريع ومدروس، وهو ما يجعل الحديث عن دور جي عشرة أمرا محوريا في الفهم الشامل للمواجهة، خصوصا أن تلك الطائرة مجهزة برادار متطور ومنظومات توجيه دقيقة قد تمنحها أفضلية في لحظات الاشتباك القصير.

تاريخيا يمثل المجال الجوي بين الهند وباكستان واحدا من أكثر المسارح العسكرية حساسية على الإطلاق، وقد شهد في السنوات الماضية عددا من الاشتباكات المتقطعة التي غالبا ما تنتهي بمكاسب تكتيكية محدودة دون تغير جذري في ميزان القوى، إلا أن أحداث مايو ألفين وخمسة وعشرين دفعت كثيرا من المحللين إلى القول إن طبيعة الاشتباكات تتغير مع دخول أدوات الحرب الإلكترونية إلى صلب المعادلة، وهو تغير قد يحمل دلالات تتجاوز حدود اللحظة إلى ما هو أعمق في مستقبل الصراع.

التساؤلات حول الدوافع الحقيقية لباكستان في حال ثبت استخدامها منظومة كورال تبقى مفتوحة على عدة تحليلات، فهناك من يرى أنها أرادت إرسال رسالة ردع واضحة، بينما يرى آخرون أنها جاءت ردا على ما تصفه إسلام آباد بمحاولات هندية لفرض واقع جوي جديد، وفي كلتا الحالتين يبقى العامل السياسي حاضرا بقوة في خلفية المشهد، فالتصعيد أو التهدئة في السماء ينعكسان بشكل مباشر على المناخ الإقليمي وعلى طبيعة العلاقة بين البلدين.

ورغم أن نتائج التحقيقات النهائية لم تنشر بوضوح حتى اللحظة، فإن أثر ما جرى في مايو ما زال مستمرا، فقد أعاد فتح ملف القدرات الإلكترونية والهجينة في المنطقة، ورفع من وتيرة النقاش حول مستقبل توازن القوى، كما دفع عواصم عدة إلى إعادة النظر في أهمية التكامل بين المقاتلات التقليدية ومنظومات التشويش الهجومي والدفاعي، وهو نقاش يتوقع أن يمتد لسنوات قادمة، لأن التكنولوجيا باتت لاعباً مركزيا في رسم حدود النفوذ العسكري.

في النهاية تبقى اشتباكات مايو واحدة من أبرز محطات التوتر الجوي بين الهند وباكستان خلال العقد الأخير، ومع أن كثيراً من تفاصيلها لا يزال غامضا، فإن المؤكد أن عهد المواجهات التقليدية البحتة قد انتهى، وأن الحرب الإلكترونية بصورها المتنوعة أصبحت جزءا لا يتجزأ من معادلات الردع والمبادرة، وهو تحول يعيد تشكيل التعريف التقليدي للقوة الجوية ويفتح الباب أمام صياغة جديدة لموازين النفوذ في جنوب آسيا.