بداية القصة: كشف 44 قضية مزورة في ملفات واحدة .. يتصدر ملف التحريات الملفقة واجهة النقاش المجتمعي والقانوني في مصر، بعدما روى وكيل النيابة الأسبق المستشار محمد بهاء أبو شقة واقعة مثيرة خلال فترة عمله في نيابة شمال القاهرة، فقد اكتشف بالصدفة أن 22 قضية جنايات موزعة على مكتبه، ومثلها على مكتب زميله، جميعها حررها ضابط واحد وفي توقيتات متزامنة، وهو أمر يستحيل حدوثه عمليًا.
كان هذا الاكتشاف نقطة تحول كبرى، إذ جُمعت القضايا أمام جهة واحدة لتكشف عن عملية تزوير ممنهجة، لم يكن مجرد خلل فردي، بل فضيحة أظهرت خطورة الاعتماد الأعمى على التحريات دون تدقيق أو مراجعة دقيقة.
مواجهة الضابط وتفجير الفضيحة
جرى استدعاء الضابط إلى مكتب المحامي العام الأول، دون أن يدري أنه قيد التحقيق. اعتقد الرجل أنه سيكرم على "جهوده الكبيرة"، لكنه فوجئ بمواجهة مباشرة مع أسئلة دقيقة من وكيل النيابة، قبل أن تنهار حججه ويُتهم رسميًا بالتزوير.
وبقرار قضائي، أسقطت 44 قضية كاملة "بجرة قلم"، بعد ثبوت أن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، كانت هذه اللحظة مثالًا صارخًا على أهمية الضمير القضائي، الذي أنقذ عشرات الأبرياء من سنوات طويلة خلف القضبان.
تحريات وهمية تفضح خلل المنظومة
لم تقف الأمور عند هذه الواقعة، فقد تكرر السيناريو في قضايا أخرى، إحدى القضايا قدّمت متهمين على أنهما "أصدقاء"، لكن وكيل النيابة اكتشف من خلال الوثائق الرسمية أنهما في الحقيقة "أشقاء".
هذه الثغرة البسيطة فضحت شهرًا كاملًا من التحريات المزيفة، لتتحول إلى دليل دامغ على وجود خلل في بعض الأجهزة المنوط بها تنفيذ القانون، انتهت القضية بتحقيق رسمي مع الضابط المسؤول واتهامه مجددًا بالتزوير والاحتجاز دون وجه حق.
الضمير القضائي في مواجهة الظلم
أكد المستشار محمد بهاء أبو شقة أن الضمير هو الركيزة الأولى لتحقيق العدالة، وأن التحقيقات إذا لم تُبنَ على حقائق راسخة فإنها تتحول إلى أداة ظلم، واعتبر أن على القاضي أو وكيل النيابة، حتى إن تيقن من إدانة شخص ما في قضايا التعازير، أن يفتح باب العفو والتخفيف إن كان هناك ما يبرر ذلك شرعًا وقانونًا، بدلًا من إلقاء الناس في السجون بلا جدوى.
التمييز بين جرائم الدم وغيرها
أوضح أبو شقة أن هناك فارقًا جوهريًا بين جرائم الدم كالقتل العمد، التي لا مجال للتهاون فيها، وبين الجرائم الأخرى مثل الاتجار بالمخدرات أو حيازة الترامادول، التي تتغير صفتها القانونية مع مرور الوقت، وأكد أن أقصى عقوبة عادلة في غير جرائم الدم يجب ألا تتجاوز ثلاث سنوات، معتبرًا أن العقوبات الطويلة ترهق العدالة وتحوّل السجون إلى بيئات خصبة للجريمة.
السجون وصناعة المجرمين الجدد
أشار وكيل النيابة السابق إلى أن السجون، إذا تجاوزت مدة العقوبة فيها ثلاث سنوات، تتحول إلى مدارس لتعليم الجريمة، حيث يخرج المحكومون وقد اكتسبوا خبرات إجرامية جديدة بدلًا من التأهيل، وأوضح أن المجتمع هو من يدفع الثمن لاحقًا، حين يعود هؤلاء الأفراد بروح ناقمة ورغبة في الانتقام.
نحو إصلاح العدالة وتحقيق الردع الحقيقي
أكدت الشهادة أن الردع الحقيقي لا يتحقق بالعقوبات المغلظة، بل من خلال سرعة العدالة، ودقة التحقيقات، والتأهيل النفسي والاجتماعي للسجناء. فالسجن، كما وصفه، تجربة قاسية حتى لو استمرت عامًا واحدًا، لكن الخروج منه يجب أن يرافقه برنامج "صدمات حرية" تدريجية تضمن عودة السجين إلى المجتمع دون مشاعر انتقامية.
رسالة إلى القضاة والمحامين
اختتم وكيل النيابة السابق حديثه برسالة إلى زملائه من المحامين والقضاة، دعاهم فيها إلى قراءة الملفات بعين القاضي لا بعين الموظف، وأن يكون الهدف دائمًا هو إحقاق العدل لا زيادة الأرقام في سجلات الإدانة، فإذا كانت العقوبة العادلة لا تتجاوز ثلاث سنوات وجب السعي إليها، وإذا كانت البراءة هي المصير الصحيح فلا بد من منحها دون خوف أو تردد.
فساد التحريات ودور الضمير القضائي في تحقيق العدالة .. تتصدر قضايا التحريات الملفقة والاتهامات الباطلة واجهة النقاش القانوني والمجتمعي في مصر، حيث تكشف شهادات مسؤولين قضائيين سابقين عن كواليس مثيرة توضح كيف يمكن أن تتغير حياة أفراد بسبب تقارير مزورة، وكيف يلعب الضمير دورًا حاسمًا في إنقاذ الأبرياء وتحقيق العدالة الحقيقية؛ في هذا التقرير، نستعرض وقائع حقيقية شهدها أحد أشهر وكلاء النيابة في مصر وهو المستشار محمد بهاء أبو شقة أثناء خدمته، حينما واجه شبكة من القضايا المزورة، وأعاد الحق لأصحابه، مسلطًا الضوء على خلل منهجي في بعض الأجهزة، وأهمية الإصلاح القانوني.
بداية القصة: 44 قضية مزورة في يد واحدة
يحكي وكيل النيابة السابق تفاصيل فترة عمله في نيابة شمال القاهرة، حينما وُزعت عليه 22 قضية جنايات في فترة الكشوف السنوية، فيما تسلم زميله العدد نفسه، وبينما كان يراجع المحاضر، اكتشف صدفةً أن جميع القضايا تقريبًا حررها نفس الضابط، وفي أوقات متزامنة، يستحيل منطقيًا أن يكون قد باشرها جميعًا، هذا الاكتشاف كان نقطة تحول كبرى، حيث جُمعت القضايا أمام جهة واحدة، ما أتاح كشف التلاعب.
مواجهة الضابط وتفجير الحقيقة
تمت دعوة الضابط المعني إلى مكتب المحامي العام الأول دون علمه بسبب التحقيق، حيث اعتقد أنه سيُكرم على "جهوده"، لكن المفاجأة كانت عندما واجهه وكيل النيابة بأسئلة دقيقة، ثم وجهت له اتهامات بالتزوير، لتسقط 44 قضية دفعة واحدة لعدم وجود وجه لإقامة الدعوى الجنائية، هذه الواقعة أبرزت خطورة الثقة العمياء في التحريات غير الموثقة، وأكدت أن العدالة الحقيقية تتطلب تدقيقًا صارمًا.
تكرار السيناريو وفضح التحريات الوهمية
لم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد تكرر المشهد ذاته في قضية أخرى، حيث كشف وكيل النيابة من خلال التدقيق أن متهمين قُدما على أنهما "أصدقاء" بينما أثبتت الوثائق الرسمية أنهما أشقاء، هذه الفجوة فضحت تحريات استمرت شهرًا كاملًا لكنها افتقرت لأبسط أسس التحقق، وانتهى الأمر بتحقيق رسمي مع الضابط المسؤول واتهامه مجددًا بالتزوير والاحتجاز دون وجه حق.
دور الضمير القضائي في إنقاذ الأبرياء
الرسالة الأبرز التي وجهها القاضي محمد أبو شقة، في شهادته هي ضرورة تحكيم الضمير في كل خطوة من خطوات العمل القضائي. فالتحقيقات قد تكون أداة ظلم إن لم تُبنَ على الحقائق، أنه حتى لو تيقن القاضي أو المحامي من إدانة شخص ما في قضايا التعازير (غير جرائم الدم)، عليه أن يسعى لفتح باب العفو والتخفيف إن وجد ما يبرر ذلك شرعًا وقانونًا، بدلًا من إلقاء الناس في السجون لسنوات بلا جدوى.
الجرائم والتمييز بين العقوبات
أوضح وكيل النيابة أن هناك فرقًا جوهريًا بين جرائم الدم كالقتل العمد، وبين الجرائم الأخرى مثل الاتجار بالمخدرات أو الترامادول التي تتغير صفتها القانونية بمرور الزمن، واعتبر أن أقصى عقوبة عادلة في غير جرائم الدم يجب ألا تتجاوز ثلاث سنوات، مؤكدًا أن العقوبات الطويلة ترهق العدالة وتحوّل السجون إلى مدارس للجريمة، بدلًا من إعادة التأهيل.
أثر السجون وصناعة المجرمين
أشار المسؤول إلى أن السجون، في حال تجاوز العقوبة ثلاث سنوات، تتحول إلى بيئة خصبة لتطوير مهارات إجرامية جديدة لدى المحكومين، خصوصًا إذا خرجوا بلا أمل أو تأهيل حقيقي، وشدد على أن المجتمع يدفع الثمن لاحقًا حين يعود هؤلاء الأفراد بروح ناقمة ورغبة في الانتقام.
إصلاح المنظومة وتحقيق الردع الحقيقي
خلصت الشهادة إلى أن الردع الحقيقي لا يتحقق بالعقوبات المغلظة، بل بالعدالة السريعة، والتحقيق الدقيق، والتأهيل النفسي والاجتماعي للمحكومين، فالسجن، كما وصفه، تجربة قاسية حتى لو استمرت عامًا واحدًا، ويجب أن يتبع الخروج منه برنامج صدمات حرية تدريجية تضمن اندماج الشخص في المجتمع.
رسالة إلى المحامين والقضاة
وجه وكيل النيابة السابق رسالة للمحامين والقضاة مفادها أن عليهم قراءة القضايا بعين القاضي لا بعين الموظف؛ فإذا كانت العقوبة العادلة هي ثلاث سنوات، فعليهم السعي إليها، وإن كانت البراءة هي المصير الصحيح، وجب الدفاع عنها دون خوف أو تردد.
المستشار محمد بهاء أبو شقة، التحريات المزورة، فساد الأجهزة الأمنية، النيابة العامة المصرية، التزوير في المحاضر، قضايا الجنايات، وكيل النيابة، إصلاح العدالة، السجون المصرية، عقوبات الجرائم، العدالة الجنائية،
المستشار محمد بهاء أبو شقة، فساد التحريات، التحريات المزورة، قضايا ملفقة، فساد الأجهزة الأمنية، النيابة العامة المصرية، التزوير في المحاضر، العدالة الجنائية في مصر، السجون المصرية، إصلاح القضاء، فضائح ضباط الشرطة،