العرب 24
العرب 24

خاص لـ «جريدة العرب 24» .. فن الخط العربي وأمانة رسم المصحف الشريف مع الدكتور حسن البكولي «حوار رئيس التحرير»

الدكتور حسن البكولي وخطاط المصحف الكبير عثمان طه
أحــمــد واضــــح العـــلامـي: -

في زمن تتسارع فيه التقنيات وتتغير فيه وسائط النشر، يظل الخط العربي فنًا خالدًا يجمع بين الروح والجمال، ولا سيما حين يُسخَّر لخدمة المصحف الشريف. ومن بين أبرز الأسماء التي أخلصت لهذا الفن، يبرز الخطاط اليمني الدكتور حسن البكولي، الذي حمل رسالة الفن والإيمان معًا، وأعلن يوم الجمعة 22 أغسطس 2025 الموافق 28 صفر 1447 للهجرة عن إنجازه كتابة نصف المصحف الشريف.

في هذا الحوار، يكشف لنا البكولي تفاصيل رحلته مع الحرف القرآني، التحديات التي واجهها، ودور الفن في خدمة كتاب الله.

كيف كانت استعداداتك لكتابة المصحف الشريف؟

البكولي: "كتابة المصحف تحتاج إلى إعداد متكامل على ثلاثة مستويات:
أولًا: عقلي وروحي ونفسي؛ حيث الصفاء الذهني والسكينة والصبر، إضافة إلى الاستعداد البدني.
ثانيًا: فني؛ ويشمل خطة دقيقة لتوزيع السطور والكلمات وتوازن الصفحة، مع الحرص على وضوح النص وقوة الخط.
ثالثًا: تقني؛ بدءًا من اختيار الورق المناسب، وحجم القلم، ونوع الحبر، وصولًا إلى صيغة متكاملة تمنح الكتابة دقة وجمالًا."

ما أبرز التحديات التي واجهتك وكيف تجاوزتها؟

"أعظم التحديات كان نفسيًا وروحيًا؛ إذ أقف أمام كلام الله عز وجل بما يفرضه من رهبة وخوف من أي خطأ. يلي ذلك الصعوبات الفنية مثل الحفاظ على تناسق الحروف وضبط المسافات عبر مئات الصفحات، فضلًا عن ضيق الوقت وضغوط الحياة. تجاوزت ذلك بالصبر والتنظيم، مستحضرًا أنني أخدم كتاب الله، وهو شرف يستحق كل جهد."

ما ملامح أسلوبك الخاص في كتابة المصحف؟

"أحرص على الجمع بين الأصالة والهوية الفنية. ألتزم بقواعد الرسم العثماني لضمان صحة النص ووضوحه، وأضيف لمسات فنية تحافظ على جمالية الخط دون الخروج عن الإطار المألوف. وأهم معاييري: الالتزام بالضوابط الشرعية، التوازن البصري بين الكلمات والسطور، والجمع بين الانضباط الفني والخشوع الروحي."

كيف تصف الأجواء التي ترافق كتابتك للمصحف؟

"أكتب في أجواء يغمرها السكون، على طهارة تامة، مستفتحًا بالصلاة والدعاء. أوجه طاولتي نحو القبلة وأشرع بالكتابة في حالة روحية عميقة تجعلني منقطعًا عمّن حولي. خلال ساعات العمل أعيش معاني الآيات وأتأمل دلالاتها، وكأنني أتنقل بين عوالمها."

ما الذي يدفعك للاستمرار في هذا المشروع الكبير؟

"الدافع الأول أنني أخط كلام الله تعالى، وهذا شرف عظيم. أرى عملي مشروع حياة؛ فإذا بلغت نصفه ازددت عزيمة، وإذا اكتمل فسيكون صدقة جارية وأثرًا فنيًا وروحيًا للأمة."

كيف توازن بين الجانب الفني والجانب الروحي؟

"الفن يمنح النص وضوحًا ودقة، والروح تمنحه حياة ومعنى. أتعامل مع القلم كأداة فنية، ومع النص كرسالة إيمانية، فيذوبان معًا لتكون كل كلمة لوحة فنية وعبادة في الوقت ذاته."

ما رسالتك من خلال كتابة المصحف بخط يدك؟

"رسالتي أن أعيد التذكير بأن الخط العربي نشأ ليكون وعاءً للقرآن الكريم. خدمة القرآن لا تقتصر على التفسير والقراءة، بل يمكن أن تكون عبر الجمال الفني للحرف. أطمح أن يشعر القارئ أن المصحف المخطوط حيّ نابض، وأن جهد الفرد يمكن أن يترك أثرًا خالدًا."

كم يستغرق إنجاز صفحة واحدة، وما أدواتك؟

"الصفحة الواحدة تستغرق ساعات وقد تمتد ليومين، تبعًا للنصوص وما تتطلبه من دقة في توزيع الحروف. أستخدم أربعة أقلام بمقاسات مختلفة: أحدها للنص القرآني، وثلاثة للأشكال والحركات والتشكيل التفصيلي."

ما الشروط التي يجب أن تتوافر في خطاط المصحف؟

"ثلاثة شروط أساسية: إتقان قواعد الخط العربي، معرفة دقيقة بالرسم العثماني، والتحلي بالصبر والخشوع. الخطاط يتعامل مع كلام الله، ومن ثم عليه أن يجمع بين الأمانة الفنية والروحية."

هل رافقتك مواقف أو إشارات أثناء رحلتك؟

"نعم، كثيرًا ما وجدت توافقات بين ما أعيشه وما أخطه من آيات: كتبت آيات الصيام في أول رمضان، وآيات الحج مع دخول ذي الحجة، وآيات الموت وبر الوالدين أثناء مرض والدي. هذه الآيات وغيرها جعلتني أشعر بأن كتابة المصحف ليست عملًا فنيًا فقط، بل عبادة ورسائل إيمانية متجددة."

ما الآية التي هزّت وجدانك أثناء الكتابة؟

"وقفت مبهورًا أمام قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا...﴾. ارتجف جسدي وعجز قلمي عن إتمامها لرهبتها. هذه الآية جمعت على القاتل الخلود في النار، وغضب الله، ولعنته، وعذابًا عظيمًا، وهو اجتماع لم يرد في غيرها. شعرت أنني أعيش التحذير حيًّا، وأنها رسالة صارخة لكبح الغضب وضبط النفس."

كيف ترى مستقبل الخط العربي مع تطور التكنولوجيا؟

"الخط العربي فن حيّ، سيبقى أصيلًا مهما تطورت الخطوط الرقمية. الكتابة اليدوية تحمل روح الخطاط وخشوعه، وهو ما لا تمنحه التقنية. المستقبل في الجمع بين الأصالة اليدوية والتكنولوجيا الحديثة للنشر والتوثيق، دون أن تحل الرقمية محل الكتابة التقليدية."

ما المطلوب من المؤسسات لدعم خطاطي المصحف؟

"إقامة معارض ومتاحف دائمة، تقديم منح مالية لمشاريع كتابة المصاحف، إدخال الخط العربي في المناهج، تكريم الخطاطين، وتوثيق أعمالهم بالتقنيات الحديثة. دعم الخطاطين ليس تكريمًا فرديًا بل حفاظًا على هوية الأمة."

ما حلمك الأكبر؟

"حلمي أن يُكتب لمشروعي القبول عند الله، وأن يرى النور مطبوعًا ومنتشرًا ليكون أثرًا خالدًا، وأن أُسهم في تدريب جيل جديد من الخطاطين ليواصلوا خدمة القرآن بخطوطهم."

ختامًا، حدثنا عن إنجازك اليوم بكتابة نصف المصحف الشريف؟

"بفضل الله تعالى وتوفيقه، أتممتُ كتابة نصف المصحف الشريف، سائلًا المولى عز وجل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون نورًا في الدنيا وذخرًا في الآخرة. لقد كان الطريق مليئًا بالصبر والخشوع والخضوع لجلال القرآن الكريم، فكل حرف كتبته حمل في طياته رهبة الآيات وجلالها، وكان لهذا الإنجاز رونقٌ خاصّ إذ اكتمل في يوم الجمعة المبارك، خيرِ أيام الله تعالى، يومٍ تُعظَّم فيه الطاعات وتُضاعف فيه الحسنات، فازداد الفرح به نورًا على نور. وفي لحظة التأمل هذه، أجدني أردد ما قاله ربي جل جلاله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾."