العرب 24
جريدة العرب 24

كيف يصنع الزجاج

بالفيديو .. كيف تتم صناعة ملايين الأطنان من الزجاج؟ مشاهد مذهلة من داخل المصانع

صناعة الزجاج
أحمد العلامي -

يبدو الزجاج اليوم مادة مألوفة تحيط بنا في كل مكان، من نوافذ البيوت إلى شاشات الهواتف ومن زجاجات المياه إلى الألواح الضخمة في المباني، لكنه في الحقيقة يحمل قصة مدهشة تعكس عبقرية الإنسان وقدرته على تحويل أبسط المواد الطبيعية إلى منتجات عالية الدقة والجمال، هذه الرحلة تبدأ من قلب المناجم حيث تُستخرج الرمال النقية، مرورًا بمراحل الغسل والطحن والصهر والتشكيل، وصولًا إلى إعادة التدوير التي تعطي لهذه المادة حياة جديدة، في هذا الفيتشر نرافق الزجاج في رحلته الطويلة لنعرف كيف أصبح عنصرًا أساسيًا في حياتنا اليومية.

البدايات التاريخية لاكتشاف الزجاج

يُروى أن المصريين القدماء كانوا أول من اكتشف الزجاج قبل أكثر من ألفي عام، حين سخنوا رمل السيليكا مع كربونات الصوديوم قرب النار فحصلوا على مادة شفافة وفريدة، ومنذ ذلك الحين، انتقل الزجاج من مجرد اكتشاف بالصدفة إلى صناعة متطورة تدخل في مجالات الهندسة والطب والإلكترونيات، ورغم هشاشته الظاهرية، إلا أن الزجاج يتميز بصلابة عالية ومقاومة للحرارة والكهرباء، إلى جانب إمكانية إعادة تدويره بلا فقد في الجودة.

من المناجم إلى مصانع الغسل

رحلة الزجاج تبدأ مع الرمال النقية التي لا تتوافر على الشواطئ أو الصحارى بل تُستخرج من مناجم ضخمة مفتوحة تحتوي على نسبة سيليكا تصل إلى 99%، هناك تُستخدم المتفجرات الصناعية لتفتيت الصخور، ثم تأتي الحفارات العملاقة لجمعها وتحميلها في شاحنات ثقيلة تنقلها إلى مطاحن صناعية قوية، هذه المطاحن تحول الصخور إلى حبيبات ناعمة، لكنها لا تزال بحاجة إلى عمليات غسل دقيقة لإزالة الشوائب المعدنية.

تتم عمليات الغسل باستخدام أنظمة حديثة قادرة على معالجة مئات الأطنان من الرمل في الساعة. تبدأ العملية بغربلة أساسية للتخلص من الجزيئات الكبيرة، ثم تُغسل الحبيبات النفيسة بنفاثات ماء عالية الضغط. بعد ذلك، يدخل الرمل في نظام فصل حلزوني يعتمد على قوة الطرد المركزي لإبعاد المعادن الثقيلة، قبل أن يخضع لمرحلة فصل ميكانيكي لالتقاط أي آثار متبقية من الحديد.

الخلط والصهر: تحويل الرمل إلى حمم زجاجية

بعد تنقية الرمل، يُنقل إلى مصانع الزجاج العملاقة حيث يُمزج مع كربونات الصوديوم وكربونات الكالسيوم، الأولى تخفض درجة الانصهار لتسهيل دمج المواد، والثانية تمنح الزجاج مزيدًا من الصلابة، وفي بعض الأحيان تضاف أصباغ خاصة مثل أكسيد الكوبالت لإضفاء ألوان مميزة.

يدخل هذا الخليط إلى أفران غازية هائلة تصل حرارتها إلى 1650 درجة مئوية، وهي حرارة أعلى من الحمم البركانية. داخل هذه الأفران، يتحول الرمل إلى زجاج منصهر متوهج يشبه الحمم، يبقى هذا الزجاج في حالته السائلة لساعات لضمان خروج الغازات وتصفية أي شوائب.

تشكيل الزجاج: من الفقاعات إلى الألواح

تُعتبر تقنية النفخ المزدوج من أكثر الطرق شيوعًا لتشكيل الزجاج المجوف مثل الزجاجات وعبوات الأدوية، تبدأ العملية بإسقاط قطرات من الزجاج المنصهر داخل قوالب معدنية، ثم يُضخ هواء مضغوط لتشكيل الفقاعات الأولية، قبل أن تُعاد النفخة الثانية في قوالب نهائية لتأخذ الزجاجة شكلها الكامل.

وبالنسبة للزجاج المسطح المستخدم في النوافذ والشاشات، تُستخدم تقنية الطفو حيث يُسكب الزجاج السائل فوق طبقة من القصدير المنصهر، فيطفو فوقها ويتمدد بشكل طبيعي ليأخذ شكل الألواح بعد ذلك، يُقطع الزجاج بالليزر أو بشفرات ماسية، وتُصقل حوافه بدقة متناهية ليصبح آمنًا وأنيقًا.

التبريد والفحص: رحلة من النار إلى الصلابة

بعد التشكيل، تُنقل الزجاجات أو الألواح إلى أنفاق تبريد طويلة حيث تنخفض الحرارة تدريجيًا لتجنب التشققات. ثم تبدأ مرحلة الفحص باستخدام كاميرات عالية السرعة وحساسات بصرية ترصد أي عيوب مثل الفقاعات أو الشقوق، الزجاج الذي لا يطابق المواصفات يُستبعد فورًا، بينما تُرص القطع السليمة بواسطة روبوتات دقيقة وتُغلف بعناية استعدادًا للنقل.

إعادة التدوير: ولادة جديدة للزجاج

من أبرز ميزات الزجاج قدرته على إعادة التدوير بلا فقد في الجودة. تُجمع شظايا الزجاج المكسور في ساحات ضخمة، ثم تُعاد صهرها مع رمال جديدة ومواد مساعدة، هذه العملية تقلل من استهلاك الطاقة لأنها تخفض درجة الحرارة المطلوبة للصهر، وتساهم في الحفاظ على البيئة عبر تقليل النفايات.

اختبارات الجودة والسلامة

قبل وصول الزجاج إلى الأسواق، يخضع لاختبارات صارمة للتأكد من مقاومته للصدمات فعلى سبيل المثال، إذا انكسر لوح الزجاج بنمط يشبه خيوط العنكبوت دون أن يتفتت إلى شظايا حادة، فهذا يعني أنه آمن للاستخدام، بهذه الطريقة يصبح الزجاج عنصرًا موثوقًا في البناء والديكور والتكنولوجيا.

الزجاج في حياتنا اليومية

اليوم، لا يمكن تخيل حياتنا من دون الزجاج. فهو يدخل في صناعة الهواتف الذكية، الشاشات، النوافذ المقاومة للصوت والحرارة، العدسات الطبية، وحتى الألواح الشمسية التي تولد الطاقة النظيفة، هذه المادة الشفافة أصبحت بحق جزءًا من الهوية الحضارية للإنسان، فهي تجمع بين البساطة في أصلها والتعقيد في صناعتها.

خاتمة

رحلة الزجاج من رمال الأرض إلى المنتجات النهائية هي قصة عن الإبداع الإنساني الذي استطاع تسخير العلم والتكنولوجيا لتحويل مادة بسيطة إلى عنصر استراتيجي يخدم البشرية، ومع تطور تقنيات إعادة التدوير، أصبح الزجاج أيضًا مثالًا على الاقتصاد الدائري الذي يحافظ على الموارد، إنه ليس مجرد مادة شفافة نطل من خلالها على العالم، بل قصة متكاملة عن الحضارة والابتكار.

الزجاج, صناعة الزجاج، تاريخ الزجاج، إعادة تدوير الزجاج، مراحل تصنيع الزجاج، الزجاج المنصهر، الزجاج المسطح، الزجاجات الزجاجية، أفران صهر الزجاج، رمل السيليكا، تقنية الطفو، النفخ المزدوج للزجاج، صناعة القوارير, صناعة الألواح الزجاجية, اختبارات جودة الزجاج, تاريخ اكتشاف الزجاج, صناعة الزجاج في مصر, صناعة الزجاج في العالم, إعادة استخدام الزجاج, مراحل صناعة الزجاج بالتفصيل