العرب 24
العرب 24

اختراق إيران من الداخل.. كيف زرع الموساد الإسرائيلي أذرعه وسط غفلة أجهزة الأمن؟

الموساد وإيران
أحمد واضح العلامي -

في واحدة من أخطر قضايا الاختراق الأمني في الشرق الأوسط، تتكشف يوماً بعد يوم خيوط عملية تجسس وصفت بأنها الأوسع والأعمق داخل إيران، يقف وراءها جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، الذي تمكن من التغلغل في المجتمع الإيراني وتجنيد أعداد كبيرة من العملاء دون أن تكتشفهم طهران، في مشهد يكشف عن ثغرات أمنية واقتصادية واجتماعية كبيرة تهدد استقرار البلاد.

الأزمة الاقتصادية.. بوابة الانهيار الأمني

الخبير العسكري والاستراتيجي الأستاذ سرمد البياتي كشف خلال حواره مع الإعلامي مالك في برنامج "زوايا الخبر" عن الأسباب والظروف التي هيّأت الأرضية لهذا الاختراق غير المسبوق، في مقدمة هذه الأسباب يأتي الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران، حيث سجل سعر صرف التومان الإيراني مستويات كارثية، ووصل الدولار إلى نحو ستة ملايين تومان، وهو ما جعل إمكانية تجنيد العملاء مسألة لا تحتاج سوى إلى بضعة دولارات.

وأوضح البياتي أن تدهور الاقتصاد جعل من السهل استقطاب أفراد يعانون ضغوطاً معيشية، خصوصاً أن عشرة دولارات أو مئة دولار أصبحت كافية لتغيير حياة البعض هناك، وهو ما استغله الموساد ببراعة لتجنيد عملاء جدد داخل المجتمع الإيراني وخارجه.

الزيارات الدينية.. قناع لتسلل الجواسيس

ثاني الأبواب التي استغلها الموساد، بحسب البياتي، كانت الزيارات الدينية. إيران تضم عدداً من المزارات الدينية الكبرى مثل ضريح الإمام الرضا في مشهد، ومقام السيدة معصومة في قم، إضافة إلى مواقع دينية أخرى تجذب ملايين الزوار من العراق، وأفغانستان، وباكستان، وشرق وغرب آسيا.

هذه الأجواء الدينية المكثفة، بحسب الخبير الاستراتيجي، وفرت غطاء مثالياً لحركة الأفراد عبر الحدود، ومنحت الموساد الفرصة لاستقطاب وتجنيد عملاء خلال هذه الزيارات التي باتت تتخذ طابعاً أمنياً خفياً بعيداً عن أعين أجهزة المخابرات الإيرانية.

قبرص وأذربيجان.. محطات تجنيد سرية خارج الحدود

الاختراق الإسرائيلي لم يقتصر على الداخل الإيراني، بل امتد إلى دول مجاورة تحوّلت إلى قواعد أمامية لتجنيد الإيرانيين، أبرزها قبرص وأذربيجان، البياتي كشف عن تلقيه اتصالاً شخصيًا من شخص مجهول في قبرص، أبلغه بوجود عمليات تجنيد واسعة لإيرانيين يزورون الجزيرة، مؤكداً أن الموساد كثف نشاطه في تلك المناطق نظراً لقربها من الحدود الإيرانية، وتواجد قواعد إسرائيلية غير معلنة فيها.

وأشار البياتي إلى أن هذا الاتصال الذي حدث قبل سنوات، كان بمثابة إنذار مبكر تم تجاهله من قبل السلطات الإيرانية، قبل أن تتكشف اليوم تفاصيل واسعة تؤكد صحة تلك التحذيرات.

دهاء الموساد.. حين تصبح جاسوساً دون أن تدري

من أخطر ما كشفه البياتي، هو الأسلوب الاحترافي الذي ينتهجه الموساد في تجنيد عملائه، بحيث لا يدرك الشخص أنه أصبح جزءاً من شبكة تجسس إلا في مراحل متقدمة جداً من العملية، تبدأ القصة بصداقة بريئة، مروراً بتقديم المساعدات المالية والخدمات، ثم التورط التدريجي في أنشطة مشبوهة، ليجد الشخص نفسه في النهاية متورطاً بالكامل، وغير قادر على الانسحاب.

وأكد الخبير الاستراتيجي أن هذه الأساليب تعكس الاحترافية العالية للموساد، الذي يدير ملف التجنيد بحرفية تمنع حتى الأجهزة الأمنية الإيرانية من اكتشاف المخطط في مراحله المبكرة.

معدات وصواريخ تدخل إلى الداخل الإيراني تحت غطاء مدني

الأخطر في هذه القضية، وفق البياتي، أن العملاء المجندين نجحوا في إدخال معدات عسكرية وأسلحة متطورة إلى الداخل الإيراني، بينها طائرات مسيّرة وصواريخ، ما يطرح تساؤلات كبرى حول قدرة الأجهزة الأمنية على مراقبة الحدود ومنع هذه الاختراقات.

وأشار إلى أن بعض عمليات تهريب هذه المعدات جرت تحت غطاء مدني بريء، مثل محاولة إدخال هيكل طائرة صغيرة كهدية لطفل، قبل أن تكتشف السلطات جزءاً من هذه المحاولات، إلا أن هذا الاكتشاف جاء متأخراً، بعدما تم بالفعل تهريب كميات كبيرة من المعدات والمواد الأولية التي دخلت في تصنيع الطائرات المسيّرة الإيرانية، دون علم الجهات الرسمية بمصدرها أو طبيعتها.

اختراق أمني خطير.. من اغتيال العلماء إلى استهداف القيادات

لم يتوقف الأمر عند حدود التجنيد وتهريب المعدات، بل تعداه إلى عمليات اغتيال نوعية استهدفت شخصيات بارزة في البرنامج النووي الإيراني، على غرار اغتيال العالم محسن فخري زاده، الذي وصفته طهران آنذاك بـ"العقل المدبر" للبرنامج النووي.

البياتي أعرب عن صدمته من قدرة الموساد على تنفيذ مثل هذه العمليات داخل العمق الإيراني، رغم الانتشار الأمني المكثف في البلاد، مشيرًا إلى أن هذا يعكس حالة تفكك أمني واستخباراتي تحتاج إلى معالجة عاجلة.

كما أشار إلى استهداف قيادات في الحرس الثوري الإيراني، وحزب الله اللبناني، بنفس الأسلوب الدقيق، ما يثبت وجود اختراق واسع النطاق يمتد إلى الحلفاء الإقليميين لطهران.

ترامب يكشف المستور.. عملاء إسرائيليون داخل المواقع النووية الإيرانية

في السياق ذاته، أعاد البياتي التذكير بتصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي كشف قبل أيام أن عملاء إسرائيل تمكنوا من دخول المواقع النووية الإيرانية المتضررة بعد الضربات، وتأكدوا من حجم الأضرار بأنفسهم.

هذا التصريح، بحسب الخبير العسكري، يعكس مدى تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية في مفاصل الأمن الإيراني، بل وقدرتها على الوصول إلى أخطر المنشآت التي من المفترض أن تحظى بحراسة مشددة.

مطلوب تحرك عاجل.. هل يتدارك النظام الإيراني الكارثة؟

في ختام حديثه، شدد البياتي على ضرورة تحرك النظام الإيراني سريعاً لإعادة هيكلة أجهزته الأمنية والاستخباراتية، وتنشيط الروح الوطنية لمواجهة هذا الخطر المحدق، مشيرًا إلى أن العقيدة الفارسية التي يتغنى بها البعض لا تكفي لحماية البلاد، بل تحتاج إلى خطوات مهنية واحترافية لمعالجة الثغرات واستحداث منظومة تجنيد مضادة داخل إسرائيل نفسها.

وأكد البياتي أن ما حدث يكشف عن خلل بنيوي خطير، يتطلب عملاً استخباراتياً شاقاً ومضنياً على مدى سنوات لاستعادة زمام المبادرة، محذراً من أن استمرار هذا الوضع يهدد بسقوط النظام الإيراني برمّته في حال تكرار مثل هذه الخروقات مستقبلاً.

إيران، الموساد، تجنيد عملاء، اختراق أمني، الزيارات الدينية في إيران، الاقتصاد الإيراني، قبرص، أذربيجان، الاستخبارات الإسرائيلية، الطائرات المسيّرة، تهريب معدات عسكرية، فخري زاده، اغتيالات إيران، الحرس الثوري الإيراني، حزب الله، المواقع النووية الإيرانية، دونالد ترامب، الأمن القومي الإيراني، الاختراق الإسرائيلي، تفكك أمني إيران