العرب 24
العرب 24

سباق نووي جديد يعيد تشكيل العالم: كيف تخطط أمريكا لمواجهة الصين وتحديث ترسانتها النووية؟

صواريخ عابرة للقارات
أحمد العلامي -

في ظل تصاعد التوترات الدولية، وتزايد التحذيرات من سباق تسلح غير مسبوق، تعود إلى الواجهة قضية الترسانة النووية الأمريكية، بعد الكشف عن خطة أمريكية سرية تهدف إلى تحديث شامل لهذه الترسانة، وتوجيهها للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية نحو مواجهة الصين، القوة الصاعدة في مجال السلاح النووي.

صحيفة نيويورك تايمز كانت أول من ألقى الضوء على هذه الاستراتيجية، التي أقرها الرئيس الأمريكي جو بايدن في مارس 2024، لتعيد بذلك واشنطن رسم ملامح التوازن العسكري العالمي، وسط مخاوف حقيقية من اندلاع حرب باردة جديدة، وربما مواجهات أخطر قد تهدد البشرية بأكملها.

حادثة كادت تغيّر التاريخ

للحديث عن خطورة السلاح النووي، لا بد من التذكير بحوادث كادت تضع العالم أمام كارثة لا تُوصف. من بين تلك الحوادث، ما وقع في 23 يناير 1961 فوق ولاية نورث كارولاينا الأمريكية، حين تحطمت قاذفة قنابل أمريكية من طراز "بي 52" أثناء تزودها بالوقود جواً، وسقطت منها قنبلتان نوويتان من طراز "مارك 39"، قوتُهما التدميرية تعادل 250 ضعف قنبلة هيروشيما.

لحسن الحظ، لم تنفجر القنبلتان، لكن الحادثة ظلت طي الكتمان لعقود، إلى أن رفعت عنها السرية في 2013، لتكشف مدى اقتراب العالم حينها من كارثة نووية محققة، كانت ستؤدي إلى محو جزء واسع من شرق أمريكا بالكامل، ناهيك عن التبعات الإشعاعية والصحية المدمّرة.

الصين.. العدو النووي الأول لأمريكا

اليوم، ومع تسارع وتيرة التسلّح النووي الصيني، وجّهت الإدارة الأمريكية أنظارها نحو بكين، بعدما كان التركيز طوال العقود الماضية على روسيا. الصين، التي ظلّت لعقود تتبع سياسة "الحد الأدنى من الردع النووي"، بدأت مؤخراً، بقيادة الرئيس شي جين بينغ، في انتهاج مسار أكثر عدوانية، عبر توسيع وتحديث ترسانتها النووية بوتيرة غير مسبوقة.

التقارير الاستخباراتية الأمريكية تشير إلى أن الصين تملك اليوم قرابة 500 رأس نووي، بارتفاع ملحوظ عن العام الماضي الذي سجّل 410 رؤوس نووية فقط. كما تبني بكين حالياً صوامع صواريخ باليستية جديدة، ما ينذر بقدرتها مستقبلاً على تجاوز ترسانة الولايات المتحدة وروسيا مجتمعَين، لتصبح القوة النووية الأولى عالمياً.

برنامج "الحارس": ركيزة التحديث الأمريكي

في مواجهة هذا التصعيد الصيني، أطلقت الولايات المتحدة برنامج "الحارس"، الذي يُعدّ من أكبر وأعقد مشاريع التسلح في تاريخها العسكري. يهدف البرنامج إلى استبدال صواريخ "مينتمان 3" الباليستية العابرة للقارات، التي يعود تاريخ تصنيعها إلى الستينات، بمنظومة جديدة تحمل اسم "سنتينل"، أكثر تطوراً وقدرة على الردع والرد السريع.

تكلفة البرنامج وصلت حتى الآن إلى أكثر من 130 مليار دولار، مع تقديرات تشير إلى إمكانية بلوغها 300 مليار دولار مع استكمال تنفيذ المشروع، في ظل التوسّع العمراني والتقني المطلوب في مواقع الصواريخ، وبناء بنية تحتية متطورة تشمل الاتصالات والمنشآت العسكرية والإدارية الجديدة.

صواريخ أكثر.. طائرات أخطر

ولم يتوقف التحديث عند الصواريخ البرية، إذ يشمل المشروع تطوير قاذفات القنابل الاستراتيجية، أبرزها "بي 21 رايدر"، خليفة القاذفة الشهيرة "بي 2 سبيريت"، والتي توصف بأنها واحدة من أكثر الطائرات تقدماً وقدرة على التخفي في العالم، بتكلفة تقارب 700 مليون دولار للطائرة الواحدة.

كما دخلت المقاتلات الأمريكية من طراز "إف 35" على خط الردع النووي، بعد تعديلها لتحمل قنابل نووية من طراز "بي 61-12"، وهو ما يجعلها أول طائرة مقاتلة في العالم من الجيل الخامس قادرة على تنفيذ ضربات نووية، ما يزيد من مرونة وفاعلية الترسانة النووية الأمريكية.

الغواصات.. الذراع الأخطر

إلى جانب الصواريخ والطائرات، تواصل البحرية الأمريكية تطوير قدراتها النووية عبر الغواصات النووية، التي تُعدّ الركيزة الأهم في "ثالوث الردع النووي" الأمريكي. كل غواصة تحمل رؤوساً نووية بقدرة تدميرية تعادل سبعة أضعاف مجموع ما ألقي من قنابل في الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك القنبلتان الذريتان على اليابان.

وتمنح هذه الغواصات للولايات المتحدة قدرة فريدة على تنفيذ ضربات نووية من أي مكان في العالم، دون إمكانية رصدها بسهولة، ما يعزّز قدرة الردع ويجعل من الصعب تحييدها في حال اندلاع أي صراع شامل.

أرقام خيالية تكشف حجم الإنفاق النووي

بحسب معهد بروكنغز، فإن الولايات المتحدة أنفقت منذ الأربعينات وحتى منتصف التسعينات قرابة 11 تريليون دولار (بقيمة الدولار الحالية) على برامجها النووية. أما اليوم، فتبلغ الميزانية السنوية للأسلحة النووية الأمريكية نحو 70 مليار دولار، مع توقّعات بارتفاع مستمر خلال العقدين المقبلين، ما يثير جدلاً واسعاً داخل الكونغرس وأوساط الخبراء.

ورغم الأصوات المعارضة، لا يبدو أن واشنطن ستتراجع عن خططها النووية، خاصة في ظل التهديدات المستمرة من روسيا، والتوسع العسكري الصيني، بالإضافة إلى تنامي قدرات دول أخرى مثل كوريا الشمالية والهند.

سباق نحو الهاوية أم فرض للاستقرار؟

المدافعون عن هذه الاستراتيجية يرون أنها ضرورية لحماية الأمن القومي الأمريكي، وفرض الاستقرار العالمي عبر "توازن الرعب"، حيث تمتلك كل قوة نووية القدرة على الردع والرد القاتل، ما يُفترض أن يُبقي الجميع في حالة حذر دائم.

لكن منتقدي هذه السياسات يرون أن سباق التسلح النووي لا يزيد العالم إلا هشاشة، ويضاعف احتمالات اندلاع حرب مدمّرة بسبب خطأ بشري، أو تصعيد مفاجئ، أو حتى قرار متطرّف من أحد القادة.

هل العالم العربي مستعد؟

وسط هذه التحديات، يبرز سؤال مشروع حول موقف الدول العربية من هذا الصراع المتصاعد، ومدى جاهزيتها لمواجهة التبعات المحتملة لهذا السباق، سواء من حيث الاستعداد السياسي أو الاستراتيجي، في ظل غياب واضح لدور عربي فاعل في معادلات التسلح النووي، واعتماد المنطقة بالكامل على التوازنات الدولية المعقدة.

يبدو أن العالم يدخل مرحلة جديدة من التوترات النووية، عنوانها الأبرز الصراع الأمريكي الصيني، وسباق تحديث الترسانات النووية، وسط غياب حقيقي لأي مساعٍ دولية جادة لنزع فتيل هذه المواجهة، وهو ما يجعل البشرية أمام تحدٍ خطير، قد يحسمه ضغط زر واحد في لحظة جنون سياسي أو عسكري.

أمريكا، الصين، سباق التسلح النووي، تحديث الترسانة النووية، برنامج الحارس، صواريخ سنتينل، بي 21 رايدر، إف 35 نووية، الغواصات النووية، الثالوث النووي، الرؤوس النووية الأمريكية، الردع النووي، البرنامج النووي الصيني، الحرب الباردة الجديدة، كارثة نووية، الأمن القومي الأمريكي، سباق التسلح العالمي، نيويورك تايمز، البنتاجون، قاذفات القنابل، صواريخ باليستية، صواريخ مينتمان، الأسلحة النووية، التوترات الدولية، مجمع الصين النووي، القدرات النووية، توازن الرعب، الاستراتيجية النووية الأمريكية.